الأحد 24 شباط 2019 04:58 ص

حرب صلاحيات تعود الى الواجهة... من يرسم سياسة البلاد العليا؟


* جنوبيات

لم يمرّ ما جرى في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، والموقف الذي اتخذه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مرور الكرام، كما انه لم يتحوّل الى حدث عابر، انتهى مع انتهاء الجلسة، بل ان الأمور ذهبت أبعد من ذلك بكثير الى حدّ اعادة البحث في موضوع الصلاحيات سواء لرئيس الجمهورية أو لرئيس الحكومة.

واذا كانت السجالات الجانبية حول بعض القضايا التي طرحت في أولى جلسات مجلس الوزراء بعد نيل الحكومة الثقة شغلت المشهد الداخلي في الساعات الاخيرة، بحسب "النهار" فان هذه السجالات لم تحجب ملامح التداعيات الصامتة التي تفاعلت خلف الكواليس بسبب الطريقة التي تحكمت بادارة الجلسة والتي ذهب معها وزراء ونواب وسياسيون الى التساؤل عما اذا كان "القمع الكلامي" سيغدو نهج ادارة للجلسات والى أي مدى سيستمر هذا النهج في حال التمادي فيه ؟ والواقع ان ثمة من ذهب ايضا من الاوساط الوزارية والسياسية الى التحدث عن تخوّف من احياء نزاع الصلاحيات وابرازه بقوة الى الواجهة بكل ما يعنيه من تداعيات مؤذية لكل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الوزراء سعد الحريري. ولاحظت هذه الاوساط ان مجريات الجلسة الاخيرة اثارت الكثير من الريبة في ظل التفرد الذي حصل في ادارة الرئيس عون للجلسة وتوليه الرد المباشر على مداخلات وزراء "القوات اللبنانية" ورفعه الجلسة قبل ان يكمل وزراء آخرون اخذ حقهم في ابداء رأيهم، كما في ظل الموقف الذي عبّر عنه من انه وحده مسؤول عن المصلحة الوطنية بما فيها ضمنا رسم السياسة الخارجية.

صلاحيات رئيس الجمهورية على الطاولة
ونقلت صحيفة "النهار" عن مصادر سياسية تأكيدها أن أحداً لا يريد النقاش في صلاحيات رئيس الجمهورية بما قد يوحي باي محاولة للحدّ منها، فان الاوساط نفسها لفتت الى ان ذلك لا يعني في المقابل تجاهل خطورة التمادي تكرارا في تفسيرات واجتهادات مغالية للطائف والدستور بما يشكل مشروع توتر ونزاع لا ضرورة لهما ولا جدوى منهما. فتجربة تشكيل الحكومة لا تزال طرية والمسائل المتعلقة بالصلاحيات غالباً ما كانت مؤشراً سلبياً ساهم في تأخير ولادة الحكومة وزاد حالة الشكوك بين المراجع والقوى السياسية. 

واكدت مصادر سياسية مطلعة لـ"اللواء" ان موقف الرئيس عون في مجلس الوزراء كان واضحا ومباشرا وهو لم يتعد فيه على اي صلاحية دستورية إنما كان ملتزما بالمادتين 49 و50 من الدستور وليس المقصود بالموقف ايضا اي التفرد خصوصا ان كلامه يتصل بحقيقة انعكاسات ملف النازحين السوريين على الوضع اللبناني.

وشددت المصادر على ان رئيس الجمهورية صارح بأن هذا الملف يستدعي التنسيق مع سوريا التي تشهد امانا في اغلبية المناطق باستثناء البعض.

ولفتت المصادر الى ان البطريرك الماروني اشاد بالموقف الرئاسي وباستشهاده بزعماء من التاريخ وتعاطيهم مع القضايا. 

واكدت المصادر ان مجلس الوزراء المقبل أمام اختبار اخر ولذلك لا بد من رصد بعض المواقف والاتصالات للتهدئة وفصل عمل الحكومة عن القضايا السياسية.

موقف الحريري
في المقابل، لزم الرئيس سعد الحريري الصمت طوال النقاش الذي حصل في جلسة مجلس الوزراء تجنباً لزيادة الاجواء المتشنجة،  الاّ أن مصادر قريبة منه حسمت الموقف عبر "اللواء" بالقول ان نص الدستور واضح لجهة اناطة السلطة الاجرائية بمجلس الوزراء مجتمعا وهو الذي يرسم السياسة العامة للدولة في المجالات كافة.

وفي هذا الاطار، تخوفت مصادر وزارية مطلعة عبر "اللواء" من ان تؤدي القراءات المتباينة، والاختلاف في فهم مواد الدستور، وتحميل المادة 49 أكثر مما تحتمل، في حين ان نص المادة 64 واضحة تماماً لجهة حصد صلاحية رسم سياسة الدولة في مجلس الوزراء، مشيراً إلى ان الأمر لا يتعلق بعودة النازحين، بل بالقرار بتطبيع العلاقات مع النظام في سوريا، وهو موضع خلاف.

وفيما تحول مجلس الوزراء إلى مسرح للصراعات السياسية، في ضوء ما جرى في جلسة أمس الأوّل من سجالات كادت ان تفجر الحكومة من الداخل، بات السؤال ملحاً: كيف سيتجاوز مجلس الوزراء مستقبلاً مثل هذه العواصف السياسية كي يتمكن من الولوج إلى القضايا الأخرى الملحة، والتي تكتسب الأولوية: اقتصادياً ومالياً ومعيشياً، وعلى مستوى الإصلاحات وايجاد الحلول لها؟

جريصاتي: رئيس البلاد يحدد المصلحة اللبنانية العليا
وأكّد وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي في السياق لـ"اللواء" بأن من "يحدد المصلحة اللبنانية العليا هو رئيس البلاد، وإذا اختلفت وجهة نظره مع طرف آخر، حول موضوع النزوح السوري مثلاً، تصبح الورقة السياسية في هذا الموضوع قابلة للنقاش في مجلس الوزراء، مشيراً إلى ان رئيس الجمهورية لا يتعدى لا على صلاحيات رئيس الحكومة ولا على الحكومة مجتمعة".

ووصف جريصاتي الاعتراضات التي صدرت حول موقف عون بأنها "شكلية" والهدف منها تسجيل مواقف، مشيراً إلى ان لديه قناعة راسخة بأن كل مكونات البلد دخلت فترة ارتياح لأنه أصبحت لدينا مرجعية لبنانية.

وقال: "انا اعرف بالشخصي ان الرئيس سعد الحريري مرتاح لهذا الأمر".

وأوضحت مصادر "التيار الوطني الحر" ان الرئيس عون لم يكن يتحدث في مجلس الوزراء عن العلاقات اللبنانية - السورية، بل ان كلامه كان حصراً عن عودة النازحين السوريين إلى بلدهم، مشددة على ان المصلحة العليا للبنان هي الأساس مهما كانت السبل.

ولفتت مصادر مقربّة من التيار الوطني الحرّ، لـ"الديار" الى أن رئيس الجمهورية "سيقود دفّة إدارة السلطة بحكمة ودراية". وأكدت أن "أي جلسة لمجلس الوزراء يتضمن جدول أعمالها ملفات شائكة ومعقدة، ستعقد في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية، الذي يحرص على تجنيب الحكومة الوصول الى الانفجار، انطلاقاً من قدرته على تدوير الزوايا، وحلّ الخلافات على طاولة مجلس الوزراء وليس خارجها وعلى المنابر الإعلامية".

"القوات" تحمل التيار المسؤولية
في المقابل، أوضحت مصادر حزب "القوات اللبنانية" لـ"اللواء" ان تصويب وزراء "القوات" كان اساساً على زيارة الوزير صالح الغريب لسوريا، من دون علم الحكومة، أو من دون أخذ قرار بذلك من مجلس الوزراء، وأن السجال حول الزيارة حصل قبل انعقاد الجلسة، لكن وزراء آخرين حاولوا حرف النقاش باتجاه إعادة التطبيع مع النظام السوري، وهذا ما نرفضه.

لماذا فتح السجال الآن؟
الاوساط السياسية المعنية بمراقبة هذا المسار، استغربت عبر "النهار" توقيت نشوء مسائل واشكاليات عبثية لا طائل منها ولا تؤدي سوى الى التشويش على انطلاقة الحكومة التي يرصدها وينتظرها باهتمام الرأي العام الداخلي والاسرة الدولية من أجل تبين وسائل ترجمة تعهدات الحكومة والشروع في تنفيذ المشاريع الحيوية التي يحتاج اليها لبنان. واضافت ان أحداً لا يجد تفسيراً منطقياً لاشغال الحكومة بمعارك صغيرة وهي على مشارف الاقلاع وكأنه اول غيث الجيل الجديد من التعقيدات، وكأن هناك نية لوضع العصي في الدواليب سلفاً. ولذا سيكون من المثير للاهتمام رصد الايام القريبة لمعرفة ما اذا كانت مشاورات ستجرى لاعادة لملمة الانطلاقة الحكومية بصرف النظر عن التباينات الطبيعية بين مكوناتها وضمنا الحؤول دون خطوات واجراءات من النوع الذي يستحضر التوترات في الجلسات مع ضمان الحفاظ على ديموقراطية النقاشات ومنع الاستئثار السياسي من التحكم باي اتجاهات وزارية.

المصدر : جنوبيات