الثلاثاء 19 آذار 2019 17:07 م

د.طلال حمود: فحوصات القلب السليمة وخاصة تخطيط القلب .. هل تعطي ضماناً كاملاً من الذبحة او الجلطة القلبية؟


* د. طلال حمود

اولاً يجب ان نقول أنه ليس هناك فحص واحد جامع مانع لجميع امراض القلب يعطي ضمانا 100% من الأحداث او الجلطات القلبية مستقبلا.

وطبياً.. كل كشف يجب أن يُنظر إليه من زاوية تشخيصية مُعينة والتفتيش والمدار دوماً على يجب ان يكون بشكلٍ اساسي حول شكوى المريض والأعراض التي يعاني منها وفحصه السريري الدقيق ...

وبالتالي فإن عدم اخبار المريض لمن حوله بآلام الصدر او عن غيرها من الأعراض قد يؤذيه ويؤذي من حوله...

وإليكم هذه القصة الواقعية : "جمال رجل مريض بالسكري مضى من عمره 46 سنة اخذ أهله في رحلة سياحية إلى تركيا. وخلال زياراته ألاخيرة للأماكن الأثرية في اسطنبول احس بألم في صدره وتعرّق كثيراً في وجهه واعلى صدره بحيث ابتلّت ثيابه .. ولم يكن ذلك الالم شديدا لدرجة ان يوقفه نهائيا من اكمال المشي ولكنه آثر ان يضغط على نفسه ويكمل رحلته وينتهي من الز يارة التي جاء هو وأهله من اجلها.. وقال في نفسه انه بعد ذلك سوف يلتفت لهذا الالم ويهتّم به بعد رجوعه إلى وطنه !! "وإن كان هذا تصرفاً خاطئاً صحياً ولا نشجع عليه.. لكن هذا هو ما فعله "جلال " فهو أخطأ من جهتين اولهما انه لم يبلغ أهله بأعراضه خوفاً عليهم وهو لا يعلم انه قد يكون في امسّ الحاجة الى زوجته لو فقد وعيه!! وثانيها انه تجاهل الالم وأصّر على اكمال الرحلة وهو لا يعلم ان ذلك قد يضره كثيرا فقد يلقي به الى التهلكة!! بل ربما يتعدى ضرره الى من حوله لو أغمي عليه وهو يسوق السيارة!!

ذهب "جلال " بعد ذلك الى احد المستشفيات القريبة من الفندق وقاموا بإجراء تخطيط للقلب وبعمل انزيمات القلب والصورة الصوتية للقلب او السونار وفحص جهد للقلب بالسير الكهربائي وكلها كانت سليمة.. فطمأن الأطباء المريض وقالوا له إنها آلام عضلات وأعطوه مسكناً وطمأنوه بأنه يستطيع الرجوع الى لبنان.. وعند وصوله إلى المطار أغمي عليه وكان التشخيص "ذبحة او جلطة قلبية حادة في جدار القلب الامامي"!!
أهل المريض اخدوا يتساءلون وحق لهم.. "كيف تأتيه جلطة يا دكتور وهو خضع في تركيا لفحوصات كاملة للقلب وكلها كانت سليمة"؟.. وبسبب تكرار طرح هذا السؤال في حالات كثيرة ومن قِبل مرضى كُثر ومن قِبل اقاربهم احياناً سنفصّل في هذا المقام العوامل التي من الممكن ان تكون سبباً في كون فحوصات القلب طبيعية ثم نتفاجئ بأن المريض تعرّض فجأة لنوبة او لذبحة قلبية حادة دون اي سابق إنذار ! او بمعنى اخر ما مدى مِصداقية الضمان الذي تقدّمه هذا الفحوصات بعدم حصول الذبحة او الجلطة القلبية على الاقل في المستقبل القريب؟؟

٢- إشكاليات ووقائع الأمور : إبتداء هناك مفاهيم عامة يجب علينا ادراكها بدون الدخول في تشعّبات هذا الموضوع وهي على الشكل التالي :
أ) إن تخطيط القلب الطبيعي لا ينفي قطعاً إمكانية حدوث جلطة قلبية في الساعات او الأيام او الأشهر التالية : فالمفهوم الشائع بين الناس انني "خضعت لتخطيط للقلب منذ فترة قريبة - قد تكون احياناً بضعة ايام -وكان سليم يعني ان قلبي سليم" مفهوم خاطئ جملةً وتفصيلاً لأن حساسية تخطيط القلب لإلتقاط او تشخيص الذبحات او الجلطات القلبية ليست 100% ولذلك من الاخطاء التي يقع فيها بكثرة اطباء الطوارئ في جميع انحاء العالم ان 5-2% من ذبحات او جلطات القلب الحادة يُرسل فيها المريض من الطوارئ الى البيت بسبب ان فحوصاته المخبرية والتخطيط سليمان.. ولكن يتضح لاحقاً ان المريض لديه جلطة حادة في القلب وهذا من اهم اسباب الشكاوى القانونية في الولايات المتحدة ضد اطباء الطوارئ. والطريقة المثلى لتفادي مثل هذه الحوادث ان يبقى المريض في الطوارئ او المستشفى حتى يتم التأكد نهائيا ان ليس لديه مشكلة حادة في الشرايين التاجية للقلب بالطرق التي تدرس لاطباء القلب في جميع انحاء العالم. وهي إعادة إجراء تخطيط القلب وانزيمات القلب بعد 
مرو ر : ٣ و ٦ و ١٢ و ٢٤ ساعة على وصول المريض إلى الطوارئ.وهذا يعتبر من القواعد الأساسيةفي تشخيص مرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب . فتخطيط القلب العادي قد يكون كلياً طبيعي في حوالي عشرة بالمئة من الحالات رغم حدوث ذبحة قلبية وهذا يحصل خاصة في إصابات الشريان التاجي الخلفي وفي بعض الحالات الأخرى . وقد يكون التخطيط طبيعي عند وصول المريض الى المستشفى ولكنه قد يبدء بالتغيًر بعد مرور ساعات على بداية ظهور الأعراض وهنا تكمن اهمية ان نُبقي المريض في المستشفى لإعادة إجراء فحص التخطيط وانزيمات القلب التي قد تكون طبيعية في البداية ومن ثم ترتفع مع الوقت. ولكل هذه الأسباب لا يجب ان نقول للمريض ان تخطيط قلبك طبيعي وبالتالي انت غير معرّض للإصابة بأمراض القلب لأن التخطيط العادي للقلب يكشف فقط حوالي ٦٠ إلى ٧٠ بالمئة فقط من حالات امراض تصلّب الشرايين التاجية للقلب ومن هنا تأتي اهمية الفحوصات الأخرى كما شرحنا في مقالات سابقة .

وفي دراسة شملت حوالي ثلاث مئة وخمسون آلف مريض، دخلوا للمستشفى بسبب الم مطًول في الصدر ناتج عن ذبحة قلبية ونشرت في سنة ٢٠٠١ ، تبيّن ان تخطيط القلب كان طبيعي بالكامل عند حوالي ٨ بالمئة من المرضى, فيه تغييرات غير دقيقة او غير تشخيصية في حوالي ٣٥ بالمئة من الحالات . وتشخصيّاً في حوالي ٥٨ بالمئة من الحالات. وهذا يؤكد ان تشخيص الذبحة القلبية بىشكل دقيق ممكن فقط في حوالي ٦٠ بالمئة من الحالات وانه قد يكون طبيعي او يُظهر تغييرات طفيفة او غير تشخيصية في باقي الحالات.
وهنا لا بد ان نقول بأن تخطيط القلب الطبيعي لا ينفي وجود نقص في تروية عضلة القلب بواسطة الشرايين حيث ان هذا ولا ينفي إذا حدوث الذبحة او الجلطة فيما بعد.

ب) إن ألم الصدر الذي يكون ناتج عن مشاكل في شرايين القلب قد يكون ناتج عن نقص في تروية العضلة القلبية اي عن "نقص في وصول الدم والأغدية إلى هذه العضلة التي تتغذى من شريان مًعين " وبالتالي قد لا تظهر علامات واضحة على تخطيط القلب في حالة الراحة ونحتاج إلى التخطيط في حالة الجهد لأن التخطيط الذي نسجله في حالة الراحة قد لا يكشف كل حالات نقص التروية التي قد لا تظهر علاماتها الخفيفة او المتوسطة او حتى المهمة إلا اذا وضعنا القلب في حالة اجهاد - تسريع ضرباته- وهنا وهنا فقط تظهر علامات نقص التروية بشكل إشارات او ذلذبات كهربائية تظهر على التخطيط ومن هنا. تأتي اهمية تخطيط الجهد للتقدم قُدماً في كشف نقص التروية. ولذلك ايضاً فإن تخطيط القلب العادي يكشف الحالات المتقدمة جداً من نقص التروية مثل في حالة الخناق الصدري الغير المستقر او في حالة الذبحة القلبية او إحتشاء العضلة حيث ان النقص الحاد في الدم والأغذية المطلوبة للعضلة او موت وتلف بعض خلايا العضلة سوف يُترجم بهذه العلامات التي قلنا انها تكشف فقط ٣٠ الى ٤٠ بالمئة فقط من امراض تصلب الشرايين. ولذلك فإن قصة جلال اعلاه قد تكون أنه احس بألم الذبحة الصدريه "نقص تروية العضلة" من غير تلف لخلايا عضلة القلب او ما يسمى بالجلطة.. وبذلك قد تكون فحوصاته كانتت طبيعية ومن ضمنها التخطيط والصورة الصوتية للقلب القلب وفحص الجهد الكهربائي.. وكان من المفترض ان يحوّل "جلال " الى مركز اكثر تخصصاً لفحص شرايين القلب لأن اعراضه كانت كلاسيكية لتضيّق في شرايين القلب اضف على ذلك انه مصاب بالسكري والذي هو اصلاً عُرضة اكثر من غيره للإصابة بمرض تضيّق او تصلّب الشرايين التاجية للقلب بنسبة ضعفين الى اربعة اضعاف مقارنة مع غير المُصابين بالسكري خلال عشر سنوات من تطوّر مرضهم .

ج) إن الصورة الصوتية للقلب او سونار القلب: او فحص القلب بالموجات الصوتية يكشف على عضلة القلب وصمّاماته ولا يكشف على شرايين القلب.. وبالتالي فقد يكون الانسان لديه تضيّق في احد شرايين القلب وقد يكون هذا الفحص بالسونار او بالتصوير الصوتي طبيعي.. ونتفادى هذا القصور بفحص شرايين القلب اما بالاشعة المقطعية او النووية او جهد القلب بالسونار وبذلك ترتفع دقة رصد تضيق الشرايين التاجية الى 85%. لكن الصورة الصوتية للقلب مفيدة جداً بشكلٍ عام وهي تعطي فكرة عن الإماكن التي تكون ترويتها غير طبيعية او فيها إنعدام كامل للتروية بحيث تظهر هذه الإماكن قليلة الحركة في الحالة الأولى ومعدومة الحركة في الحالة الثانية. وهناك عدة تطبيقات للتصوير الصوتي منها عن طريق الإجهاد ومنها عن طريق حقن مادّة مُعينة لتسريع ضربات القلب وكل هذه الفحوصات تزيد من حساسية وفعالية التصوير الصوتي للقلب في كشف مرض تصلّب الشرايين وقد ذكرنا ذلك في مقالات سابقة. 

د) فحص الجهد الكهربائي حساسيته في التقاط تشخيص نقص تروية عضلة القلب حوالى 65%.. فهو ليس دقيقا في "نفي" تضيق شرايين القلب.. ولسائل ان يسأل اذا كان غير دقيق فلماذا الغالبية العظمى من المرضى يتم فحص آلام الصدر بفحص الجهد الكهربائي؟؟ والاجابة ببساطة ان فحص الجهد الكهربائي هو خطوة عملية لفلترة آلام الصدر.. لان جزءا كبيرا من زيارات المرضى للطوارئ والعيادات الاولية تكون من آلام الصدر و 93% منها ليست من القلب بل من عظام وعضلات الصدر والمرئ والرئتين وغشائهما البلوري.. ولذلك يستخدم فحص السير الكهربائي غير المكلف للنظام الصحي في جميع انحاء العالم لتطبيقه على اعداد كبيرة من البشر بدقة تعتبر مقبولة نسبيا.. فإذا كان هناك تغيرات في التخطيط تم تحويله الى القسطرة او الاشعة المقطعية او النووية حسب التفاصيل الدقيقة للحالة.. واذا كان طبيعيا يمكن تطمين المريض وارساله للبيت اذا لم يكن المريض عالي الخطورة مثل مرضى السكري وقصور الكلى او من يصف ألما بين الثديين مع تعرق وغثيان ينتشر للرقبة والذراع "وصف كلاسيكي" فهؤلاء يجب الابقاء عليهم في المستشفى وفحص شرايينهم بالقسطرة او الاشعة المقطعية او النووية حتى ولو كان فحص الجهد الكهربائي لديهم طبيعيا!! ومن المبادئ التي نعلمها طلبة الطب ان "كلام المريض وشكواه مصدقة اكثر بكثير من الفحوصات عندما لاتتوافق شكوى المريض مع فحوصاته".. بل ان من الحكم القديمة في الطب التي يتوارثها الاطباء جيلا عن جيل انه "اذا كنت في حيرة من تشخيص المرض ولم تعرف ما هو؟؟ فاسأل المريض"!؟ كناية عن الرجوع الى المريض وسؤاله عن اعراضه بتفصيل اكثر ومن زوايا مختلفة وفحصه مرة اخرى حتى تجد تشخيص المرض.

ه) حتى القسطرة الشريانية لها اوجه قصور فقد يصاب المريض بجلطة حادة في القلب وتكون صور الشرايين في القسطرة التشخيصية طبيعية تماما!! فمثلا قد يكون المريض يعاني من انقباض او تشنُّج في الشرايين التاجاية للقلب او قد يكون يعاني من مرض فط الشعيرات الشرايينة الصغيرة جداً التي قد تُعطي ذات اعراض الذبحة القلبية وهذا مرض شائعخا عند المرأة او عند المدخنين والشباب في مُقتبل العمر او قد يكون المريض تعرّض لجلطة او خثرة دموية تم تحليلها بانزيمات الجسم الطبيعية التي تُوجد في الجسم لإيجاد حالة توازن دفاعي ضدّ التجلُّط في الشريين.

والخلاصة: انه ليس هناك فحص واحد جامع مانع لجميع امراض القلب يعطي ضمانا 100% من الجلطات مستقبلا وانما كل فحص ينظر للقلب من زاوية تشخيصية معينة ولكل منها نقاط ايجابية ونقاط سلبية في تشخيص آلام الشرايين التاجية.. والمدار دوما على شكوى المريض وفحصه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر : جنوبيات