يواصل مجلس الإنماء والأعمار المرحلة الثانية من أعمال الحفظ والترميم في قلعة بعلبك الأثرية ضمن مشروع "أعمال الحفظ والترميم في موقعي بعلبك وصور الأثريين" (BTAP) وفي إطار مشروع "حماية الإرث الثقافي والتنمية المدنية"، لينبض اليوم معبد إله الخمر الروماني "باخوس" في القلعة مرة اخرى بعدما كانت العوامل الطبيعية والإهمال الرسمي التهما اثاره.
سيعيش الزائر بين جدران المعبد (الذي يعود تاريخه الى القرن الثاني الميلادي) مع إنجاز 60 في المئة من اعمال الترميم في ظل اعتماد احدث الأساليب التي تضمن حماية منشآت المعبد وصيانتها استناداً الى المعايير الدولية للحفظ والترميم، لوناً آخر من ألوان الصلاة في معبده المفتوح على السماء. واظهرت اعمال الترميم جمال ودقة نقوش ورسوم لوحاته التي صورت الإله باخوس وحفلاته التي لم يتسنَّ للسياح والزائرين رؤيتها بوضوح، وبات الآن في الإمكان رؤيتها بأدق تفاصيلها لتكون شاهدة على اطلاق حاشيته "عفاريت الغابة" ابواقها لايقاظ الإله و"هيرا" و"سيميلي" لتشرب الأخيرة قلب الإله باخوس كما الأسطورة، لتلده اليوم من جديد وتبعثه من بين الاموات.
عملية الترميم التي بدأت منذ عام 2015 وتتم باشراف خبراء عالميين متخصصين في مجال حفظ وترميم الآثار من المجلس الدولي للآثار والمواقع (ICOMOS)، اضافة الى خبراء محليين من المديرية العامة للآثار، مجلس الإنماء والإعمار، ومكتب الأونيسكو في بيروت هي بمثابة طلقة الروح التي ترفرف في المكان ولسان حالها يقول في أي ضدين يتواجهان: "حيّ أمات حضارة، وميت أحياها"، ويقدّم باخوس ملهم طقوس الابتهاج والنشوة لزواره بنفسه ما يريدون من شراب الفردوس، فثمالة باخوس لا تشبهها أي ثمالة تقودك الى معبد، حيث كل هذا التوازن الممسرح بين العقل والقلب والبصر والذوق والرصانة الناعمة والجادة في اشتهاء المحال، فطقوسه أولا وأخيرا تعبيراً عن الاحتفال بالخصب و بالحياة، وبالنعم.
وبما ان موقع بعلبك مدرج على لائحة الأونيسكو للتراث العالمي منذ عام 1984، تقدم المنظمة الدعم الفني والمؤازرة التقنية للمديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة خلال تنفيذها مشاريع الترميم والأعمال الأثرية في بعلبك وفق المعايير العالمية، وذلك ضمن مشروع التوثيق والخدمات الاستشارية "UDAS project" وبدعم الوكالة الإيطالية للتعاون التنموي للحفاظ على الآثار، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية الموقع والقيم الاستثنائية التي ادت الى ادراجه على قائمة التراث العالمي.
من هنا يشمل المشروع تدعيم الإنشاءات الأثرية وانشاء سقف للمعبد من الطين الكلسي والقرميد الاحمر لحمايته من المياه والرطوبة والحرارة والجليد التي تعمل تآكلا بحجارتها وتيجانها ونقوش اعمدتها وجدرانها ومداخل هياكلها، وازالة التلوث البيولوجي كتنظيفه من بقايا جذور نباتات طفيلية قديمة وجديدة نبتت واستحدثت شقوقا ما بين مفاصل الحجارة المقابلة للشمس وتفتتا في الأماكن الرطبة البعيدة من اشعة الشمس وفي الاماكن التي تأخذ وقتا زمنياً لتبخر الرطوبة من بين جدرانها ومفاصلها، بالإضافة الى ايجاد حل جذري لنظام الصرف، خصوصاً انه خلال فصل الشتاء الفائت طافت مياه نهر راس العين في المعبد، ولتطال العملية ايضا خلال المرحلة المقبلة القسم الأكبر من معبدي جوبيتر وفينوس وبرج العرب.
يرتفع معبد باخوس 5 امتار ويصعد اليه بدرج عريض يتألف من ثلاث وثلاثين درجة، ويبلغ طول المعبد 69 متراً وعرضه 36 متراً. جدرانه محاطة بالاعمدة "Peripteros" 8 على الجبهة و 15 على الجانبين، فيما مذبحه "سيلا" محاط ببهو مُعَمًد والقاعة الداخلية "بروناوس" مزينة بثمانية أعمدة مخددة، كما ان الأعمدة والقواعد والعواصم الخارجية يبلغ ارتفاعها 19 متراً وتدعم السطح المعمد "Entablement" مع أفاريز مزخرفة برؤوس الأسود والثيران كما ان السقف الخارجي الكوفيريد "المصندق" مكون من عناصر زخرفية اقترضت من فن النحت اليوناني الروماني.