الثلاثاء 28 أيار 2019 07:49 ص |
رحيل عبد اللطيف الزين «عميد البرلمانيِّين» في العالم «نائب الصمود» والمبادرات الوطنية |
* هيثم زعيتر
لم تُسجّل الحياة البرلمانية في لبنان والعالم سابقة كتجربة النائب عبد اللطيف يوسف الزين، الذي استحق لقب «عميد البرلمانيين» في العالم عن أطول مُـدّة من دون انقطاع بلغت 56 عاماً.
حفلت هذه السنوات بمراكز ومهام مُتعددة استحق خلالها العديد من الألقاب، وكانت له مُساهمات مُتنوعة، قبل أن يرحل مساء أمس الأوّل (الأحد) عن (89 عاماً).
استحق «البيك» عبد اللطيف الزين، لقب «السنديانة الجنوبية العتيقة»، و«نائب الصمود»، وامتاز بالتصاقه بالناس، وتسخير امكاناته لخدمتهم، فحظي بثقتهم وشاركهم أتراحهم وأفراحهم.
النائب الراحل عبد اللطيف الزين
هكذا تربى عبد اللطيف الزين في منزل والده النائب يوسف إسماعيل الزين، منذ أن أبصر النور في مسقط رأسه كفررمان - قضاء النبطية في العام 1930، وبعد اتمامه المرحلة التعليمية، اختار الحقوق، ليُدافع عن الناس وحقوقهم، فتخرج حاملاً إجازة ليسانس من «الجامعة اليسوعية» في العام 1953، ومكملاً نصف دينه بالزواج من زميلته في الجامعة أليس أوهانس قصارجيان، ومُحققاً ما آمن به من عيش وطني طبيعي، للبنان بجناحيه المسلم والمسيحي، حيث رزقا ابنة وحيدة، هي نائلة.
دخل المحامي عبد اللطيف الزين الندوة البرلمانية للمرة الأولى في الانتخابات الفرعية التي جرت، إثر وفاة والده النائب يوسف الزين، رئيس السن في المجلس النيابي، وشغور المقعد الذي كان يشغله في قضاء النبطية، ففاز في 1 تموز 1962، ليكون أصغر النواب سناً.
الراحل سليل بيت سياسي عريق، له باع طويل في الندوة البرلمانية، قلما تكررت في العائلة ذاتها، ففضلاً عن والده يوسف الزين، دخل الندوة البرلمانية شقيقاه عبدالكريم عن المقعد الشيعي في قضاء صيدا (الزهراني) وعبدالمجيد عن المقعد الشيعي في بيروت.
لكن النائب عبداللطيف، ومنذ انتخابه في العام 1962، أعيد انتخابه في دورات الأعوام: 1964، 1968 و1972، في المجلس الذي مدد لنفسه حتى العام 1992.
عُيّن الزين للمرة الأولى وزيراً للزراعة في حكومة الرئيس رشيد كرامي في كانون الثاني 1969، ومرة ثانية في المنصب ذاته أيضاً في حكومته في تشرين الثاني 1969.
اتفاق الطائف
مع إعادة انطلاق الحياة النيابية، تنفيذاً لـ«اتفاق الطائف» شارك بفعالية في «مؤتمر الطائف» الذي عقد في المملكة العربية السعودية (من ضمن 62 نائباً من أصل 73 كانوا لا يزالون على قيد الحياة من بين 99 نائباً انتخبوا في دورة العام 1972) بين 30 أيلول 1989 و22 تشرين الأوّل من العام ذاته، وتوصلوا إلى «إتفاق الطائف»، الذي كان للشيخ رفيق الحريري دور بارز في تحقيقه، قبل أن يُقر المجلس النيابي «وثيقة الوفاق الوطني» في الجلسة التي عقدها بتاريخ 9 تشرين الثاني 1989 في «مطار القليعات».
النائب الزين مشاركاً في «مؤتمر الطائف» في المملكة العربية السعودية
اختار الرئيس نبيه برّي، النائب عبد اللطيف الزين ليكون ضمن «لائحة التحرير» في الانتخابات التي جرت في العام 1992، ثم «لائحة المقاومة والتحرير» في دورة العام 1996، و«لائحة المقاومة والتنمية» في العام 2000، ثم في العام 2005 بعد زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعدها في دورة العام 2009، التي مدد فيها المجلس النيابي لنفسه لولاية استمرت حتى العام 2018.
إثر الانتخابات النيابية التي جرت يوم الأحد في 7 حزيران 2009، في يوم واحد للمرة الأولى في لبنان، في عهد الرئيس العماد ميشال سليمان، كان الزين رئيس السن، فترأس يوم الخميس في 25 حزيران 2009 جلسة انتخاب رئيس مجلس النواب، في مرحلة دقيقة وحساسة كان يمر بها لبنان، في ظل انقسام حاد بين فريقي 8 و14 آذار، فكان الجميع ينتظر دقة مطرقته لانطلاق الجلسة التي فاز بها الرئيس برّي لولاية خامسة.
في تلك الجلسة تكرر المشهد الذي جلس فيه والده النائب يوسف الزين رئيساً للسن في المجلس، وأيضاً حين كان إلى يمينه النائب غسّان تويني كأصغر نائب في المجلس، فتكرر جلوس حفيدته النائب نايلة تويني إلى يمين النائب عبد اللطيف الزين، الذي جلس أيضاً إلى جواره كأصغر نائب نديم الجميل، وهو الذي كان قد بارك لولادة بشير الجميل يوم ولادته في العام 1982.
في إفطار «مؤسسات الرعاية الاجتماعية» - «دار الأيتام الإسلامية»... تأكيد على احتضان بيروت للوطن
عاصر الزين 11 رئيس جمهورية منذ الرئيس اللواء فؤاد شهاب، الذي تأثر به كثيراً إلى الرئيس العماد ميشال عون، وكذلك عشرات رؤساء المجالس النيابية والحكومة، قبل أن يعزف عن الترشح في الانتخابات النيابية الأخيرة التي جرت في العام 2018.
منذ البداية كان النائب عبد اللطيف الزين مع شقيقيه النائبين عبد الكريم وعبد المجيد إلى جانب الامام السيّد موسى الصدر، وساهموا في تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى.
النائب الذي رحل في ذكرى عيد المقاومة والتحرير، يحفل سجله بأنه النائب اللبناني الوحيد الذي اعتقل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد اجتياح لبنان في حزيران 1982، لكن أجبر الاحتلال على إطلاق سراحه بعد ساعات عدّة.
استحق لقب «نائب الصمود»، فكان له دور بارز في مقاومة الاحتلال، ودعم صمود الجنوبيين وصوتهم، ولم يترك دارته التاريخية في كفررمان، التي كانت تُشكل خط تماس مع مواقع الاحتلال قبل اندحاره في العام 2000.
آمن عبد اللطيف الزين بأن خدمة النّاس غير مُرتبطة بنيابة أو مركز، فكان من الأكثر التصاقاً بالناس ومُعاناتهم، فلا يفوته القيام بواجب اجتماعي ومُشاركتهم أتراحهم وأفراحهم، وحمل قضاياهم، متنقلاً شخصياً بين دائرة وأخرى لملاحقة قضية ومعاملة.
ترأس في المجلس النيابي لجاناً عدّة، ويعتبر من أصحاب المُبادرات الوطنية، وأكثر المُشرّعين إقراراً للعديد من المشاريع والقوانين أو وضعها موضع التنفيذ، وفي الطليعة: قانون الضمان الاجتماعي، الرعاية الصحية، حق التظاهر، والرأي والتعبير وفق منظور الدستور، كما عمل على تشجيع التعليم الرسمي والجامعي، وجاهداً من أجل دعم الجامعة اللبنانية، والقيام بتطوير «جمعية المقاصد الخيرية الاسلامية» في النبطية ومدارسها الخمس التي يرأس مجلس ادارتها منذ العام 1962.
نال جائزة الأقدمية لـ«اتحاد البرلمان العربي» عن النائب الأكثر مُـدّة من دون انقطاع، فضلاً عن العديد من الأوسمة اللبنانية والأجنبية.
يرحل النائب عبد اللطيف الزين، صاحب الأخلاق الرفيعة، الذي لم يُسجل تاريخه سجالاً مع أحد، أو تفوهه بكلمة جارحة، بل بقي ذي أثر طيب، وعمل صادقاً خدمة للناس، وهو الذي كان يحدثنا دائماً عن «ضرورة أن يُغلب المسؤول المصلحة العامة على أي مصالح شخصية، وأن يكون الولاء للبنان فقط دون غيره»، وهو ما يعمل كثر نقيض ذلك.
يغيب عن عمله كوزير مسؤول، ونائب مُشرع ومُراقب لعمل السلطة التنفيذية، من رعيل كان يقيس الأمور بميزان المصلحة الوطنية بلا تمييز وبعيداً عن الاعتبارات السياسية.
رحم الله الراحل، وتغمده بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنانه وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.
النائب عبد اللطيف الزين وعقيلته أليس وكريمتهما نائلة تتوسطهما عقيلة رئيس الجمهورية وفاء ميشال سليمان خلال تكريمه لمناسبة مرور 50 عاماً على توليه منصباً نيابياً
المصدر : جنوبيات |