كالعادة، دخل عبد الله الجغبير إلى قاعة المحكمة العسكريّة. جلس على مقعدٍ داخل قفص المحكمة وانتظر دوره.
لم تكن هذه الجلسة ككلّ الجلسات التي يُستجوَب فيها «أبو هاجر» منذ أن تمّ توقيفه وهو يحاول السّفر إلى سوريا عبر تركيا للالتحاق بتنظيم «داعش». بل إنّ القياديّ الطّرابلسي في «داعش» والذي قاتل إلى جانب التنظيم الإرهابي (وفق إفادات العديد من الموقوفين المنتمين إلى التنظيم)، يقف أمام هيئة المحكمة هذه المرّة لكونه متّهماً مع فيصل ب. (كان موقوفاً بجرم المشاركة في المعارك بين جبل محسن وباب التبّانة)، بمحاولة ترويج المخدّرات من نوع الحشيشة داخل سجن رومية والاتجار بها.
هذا ما أتى على لسان الرقيب خلدون ش. عندما قام بإبلاغ رؤسائه في كانون الأوّل الماضي بأنّ موقوفَيْن اثنين عرضا عليه إدخال الحشيشة إلى السّجن مقابل 50 ألف ليرة لبنانيّة عن كلّ عمليّة، ليعود ويكرّره أمس خلال استجوابه من قبل رئيس «العسكريّة» العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم.
يروي الخفير المسؤول عن فتح الأبواب وإقفالها أمام السّجناء أنّ موقوفَيْن وقفا أمام الباب، وسأله أحدهما عمّا إذا كان مهتمّاً بإدخال المخدّرات إلى داخل السّجن، فأجابه العسكريّ: «حلّ عني».
حينها، لم يأخذ الرقيب هذا الكلام على محمل الجدّ، وإنّما ظنّه كلاماً في الهواء إلى أن عاد وتكرّر الأمر بعد أشهرٍ قليلة، عندما عاد الموقوفان ليلتقيا به أمام الباب السّاعة الخامسة فجراً وإبّان انتهائهما من أداء صلاة الفجر.
هذه المرّة كان العرض أكثر جديّة. فسألهما العسكريّ عن الطريقة التي يمكن فيها إدخال المخدّرات، خصوصاً أنّه يتعرّض للتفتيش عند دخوله وخروجه، ويتلمّس المفتشّون كامل ثيابه، ليعطيه الجغبير وصديقه طريقة سهلة للتهريب: «يمكنك تخبئة الحشيشة في فمك من دون أن يتمّ كشفك»!
أوحى الرقيب أنّه قبل بهذا العرض. وبناءً على طلب الموقوفين، أعطاهما رقمه كي يتّصل به تاجر المخدّرات ويسلّمه البضاعة عند جسر الدّورة ليعود ويسلّمها بدوره إلى الموقوفين داخل السّجن.
وعلى الفور، يقول العسكريّ إنّه قصد رئيسه وأبلغه بما حصل معه ليتمّ التحقيق في هذه الواقعة، ثمّ الادعاء على الجغبير وفيصل والرّقيب معهم.
حتّى اليوم، لا يبدو أنّ هناك مَن اقتنع برواية العسكريّ. وهذا أيضاً ما أوحاه العميد إبراهيم الذي سأل الرقيب المّدعى عليه: «كيف يمكن للجغبير الذي يعرف بأنّه ملتزم دينياً أن يقوم بتهريب المخدّرات إلى رومية؟».
لم يلق إبراهيم لدى المدّعى عليه أيّ إجابة، بل ربّما وجدها لدى المدّعى عليه فيصل الذي كان طوال فترة إفادة العسكريّ وهو ينظر إلى الجغبير حيناً وإلى العسكريّ أحياناً أخرى، وهو مصدوم. وما إن انتهى المدّعى عليه من الإدلاء بإفادته، حتى عاجله الشاب: «والله العظيم أنت مفترٍ. من المؤكّد أنّ هناك مَن لقّنك هذه الإفادة»، مؤكّداً أنّه مستعدّ للخضوع لفحص طبي يكشف ما إذا كان قد تعاطى المخدّرات سابقاً.
بالنّسبة لفيصل، فإنّ العسكريّ ينوي الانتقام منه، لأنّه يظنّ أنّ الموقوف آنذاك (فيصل) كان خلف القرار بنقله إلى الخدمة في الأجنحة، وهي عادةً تكون أصعب من الخدمة في أماكن أخرى داخل السّجن، على اعتبار أنّ فيصل كان شاويش الغرفة والجغبير مساعداً له، كما كان أيضاً عضواً في لجنة إدارة السّجن.
ويشير فيصل إلى أنّه لم يكن يعرف العسكريّ حتى علم بهذه الدّعوى، فسأل أحد السّجناء الذي دلّه عليه. حينها قصده وتعرّف إليه للمرّة الأولى قائلاً له: «أنت ظلمتني»، فردّ عليه العسكريّ: «حتى تتعلّم كيف تنقلني إلى البرندا (الأجنحة)».
يبدو أنّ في فم فيصل الكثير من الماء والأسرار عمّا يحصل داخل السّجن، مبدياً إصراره أمام أسئلة العميد ابراهيم بأنّ «الكلام عن إدارة السّجن وضبّاطه ولجنته لا يمكن أن يُحكى هنا. فهناك الكثير من الافتراءات والتركيبات والأفلام». وعندما سُئل عن مصدر هذه الافتراءات، لمّح إلى أنّها لجنة السجن التي شكّلها وزير الدّاخلية والبلديّات نهاد المشنوق لدى زيارته إلى السّجن، لافتاً الانتباه إلى أنّه كان أحد أعضائها قبل أن يتركها، وهي تضمّ اليوم 9 موقوفين أبرزهم: خالد حبلص وأحمد مرعي (المحكوم بتهمة الانتماء إلى فتح الإسلام والقتال ضدّ الجيش في نهر البارد).
وإذا كان الجغبير قد أشار إلى أنّه بريء من هذه التّهمة وهي المرّة الأولى التي يرى فيها العسكريّ، طلب فيصل ووكيل الدّفاع عن الجغبير المحامي فوّاز زكريا أن يتمّ سحب الأشرطة المسجّلة يوم الواقعة في 19 كانون الأوّل 2014 للتأكد مما إذا كان حصل اللقاء فعلاً بين العسكريّ والموقوفين في الطبقة الأولى من رومية.
وعليه، وافق ابراهيم على الطّلب، وأرجأ الجلسة إلى 7 كانون الأوّل لاستكمال الاستجواب وإصدار الحكم.
نجلا «أبو طاقية» غائبان ـ حاضران
وفي «العسكريّة» أيضاً، أرجأ إبراهيم الجلسة المتعلّقة بخطف الجنديّ حسن خواجة أثناء عودته إلى مركز عمله في عرسال بتاريخ 13 حزيران 2013، والمتّهم فيها نجلا الشيخ مصطفى الحجيري الملقّب بـ «أبو طاقية»: عبادة وبراء، بالإضافة إلى جمال الملقّب بـ «حلبص» وأحمد الحجيري الملقّب بـ «أحمد هديّة»، إلى 8 آب المقبل للاستماع إلى شهادة الجنديّ.
ولم يحضر نجلا «طاقية» إلى المحكمة، فيما استجوب أحمد الحجيري الذي نفى علاقته بهذا الموضوع.
كما تمّ إرجاء جلسة محاكمة المتّهم بالتّعامل مع العدوّ الإسرائيلي حسين بيضون لتغيّب وكيل الدّفاع عنه. ممّا دفع العميد إبراهيم إلى سؤال الموقوف: «صار لي أكثر من 5 سنوات داخل المحكمة وجلسة المرافعة الخاصة بك تؤجّل دوماً. هل أنت لا تريد أن تحاكم؟».
لم يُجِب بيضون بل اكتفى بابتسامة، قبل أن يعود إلى نظّارة المحكمة، وترجأ جلسته إلى 21 كانون الأوّل المقبل.