عرف مصطفى ي. الملقّب بـ «خطّاب» كيف يحوّل مهنته وهوايته في التدريب على رياضة الـ «كيك بوكسينغ» مصيدة لـ «الداعشيين». ففي المعهد الرياضي الذي يملكه والده في طرابلس، كان يتردّد الكثير من المنتمين إلى «داعش».
من هنا مرّ أشهر «السفاحين» عمر ميقاتي وقريبه المتّهم بالتخطيط لتنفيذ عمليّة انتحاريّة القاصر ع. ع. ومعهما صديقه فايز عثمان و «أبو صهيب» الذي يقاتل إلى جانب التنظيم الإرهابي في سوريا، وكذلك «أبو بكر البيروتي» وسعيد الأيوبي اللذان قتلا وهما يحاربان «في أرض الجهاد» وآخرون.
كانت مهنة الـ «كيك بوكسينغ» تستهوي التنظيم. ولهذا السبب، انهالت عليه «العروض». فما إن وطأت قدما الأيوبي سوريا حتى اتّصل به، وطلب منه وعداً بأن يقدّم البيعة إلى «داعش» بمجرّد وصوله «أرض الخلافة» في سوريا أو العراق.
الأمر لم يتوقّف عند البيعة، بل تعهّد له الرّجل أنّه سيتولّى مهمّة تدريب عناصر التنظيم على الفنون القتاليّة واللياقة البدنيّة بسبب خبرته في هذا المجال.
ولأنّ «خطّاب» لم يستطع الوصول لـ «أرض الخلافة» مع أحد أصدقائه، إمّا بسبب ظروفه العائليّة (كانت زوجته حاملاً) أو لعدم إمكانيّته السفر بطريقة قانونيّة ولا حتّى تأمينه مبلغ الـ1800 دولار التي طلبها منه «أبو صهيب» مقابل تهريبه بجواز سفرٍ مزوّر أو تهريبه عبر طريقٍ سريّة من البقاع ثمّ إلى العراق، فإنّه أبقى على خدمة التنظيم. وصار الشاب الطرابلسي يرفد ويزوّد أصدقاءه عبر تطبيق «تلغرام» بكلّ جديد في عالم رياضة التسلّق واللياقة البدنيّة.
في المقابل، طلب من «أبو صهيب» تزويده بمقاطع فيديو تتضمّن إرشادات للتمرّس بالعمل الأمني، ليطلب منه الأخير الولوج إلى بعض المواقع، حيث تتواجد مقاطع متخصّصة بهذا الأمر.
كان هدف الشاب الثلاثيني أبعد من ذلك. أراد الانتقال مع زوجته ذات الأصول الفرنسيّة وولديه الاثنين إلى الأراضي التي يسيطر عليها «داعش»، لأنّه مقتنع بضرورة قيام الدّولة الإسلاميّة والقتال إلى جانبها لتتمدّد وتتوسّع حدودها لتشمل كل الأراضي التي يوجد فيها المسلمون، وفق ما قال.
ولم يمنعه بقاؤه في لبنان من تنفيذ رغبته، خصوصاً بعد أن عرض عليه «أبو صهيب» القيام بعمل أمني في لبنان في حال عدم تمكّنه من الالتحاق.
حينها، بدأت رغبته تزداد بتنفيذ عمليّة انتحاريّة ضدّ الشيعة أو العلويين الذين يعتبرهم «مشركين بالله»، وذلك «من أجل أن تكون راية الإسلام شامخة». انتظر الشاب قليلاً ريثما تتغيّر الظروف لتنفيذ رغبته، إذ إنّه كان يعتبر أنّ لبنان هو «أرض رباط» إلى حين.
وتكمن أهميّة «مدرّب الكيك بوكسينغ» أنّه ابن باب التبانة الملاصقة لجبل محسن، بالإضافة إلى إلمامه بجغرافيّة الضاحية الجنوبيّة لبيروت، على اعتبار أنّه تنقّل لأشهر خلال خدمته الإلزاميّة فيها وتحديداً عندما فصل إلى اللواء الـ12 الكائن في شارع العنّان في العام 2008.
وعلى عكس «خطّاب»، لم تنتظر المديريّة العامّة للأمن العام أن تتغيّر الظروف، بل قبضت عليه منذ أيّام قليلة وحقّقت معه، ليتمّ توقيفه بعد مراجعة مفوّض الحكومة المعاون القاضي داني الزعني، بجرم الانتماء إلى «داعش».
وما إن جلس ابن باب التبانة على كرسيّ التحقيق، حتى أقرّ بكلّ ما ارتكبه سابقاً. فـ «خطّاب» لم يهبط على «داعش» صدفةً، وإنّما قادته رصاصة واحدة إلى التشدّد الديني.
في نهاية العام 2009، كان الشاب يجلس في مقهى في باب الرمل حينما كادت أن تصيبه رصاصة طائشة، ليبدأ بطرح الأسئلة على نفسه. لم تكن العبادة في المساجد ومتابعة دروس في القرآن والشريعة، كافيتين، وإنّما اختلى «خطّاب» بنفسه وقرّر المباشرة بالتعمّق في عدد من الكتب الدينيّة التي أرشدته إلى «طريق القاعدة». وصار مدرّب «الكيك بوكسينغ» يتصفّح المواقع الإلكترونيّة الجهاديّة التابعة لتنظيم «القاعدة» وعمليّاته الأمنيّة في العراق.
سريعاً، تحوّل هذا الشغف الافتراضي واقعاً، وتعرّف إلى عدد من الأشخاص الذين كانوا يشاركون ضمن مجموعات في معارك جبل محسن وباب التبّانة. أصبح «خطّاب» يعرف قادة المحاور كلّهم من عامر اريش وزياد صالح (علوكي) وسعد المصري وصولاً إلى أحمد سليم ميقاتي، أثناء قتاله على محور ستاركو – حربا.
وفي أواخر العام 2013، وجد ملاذه ضمن مجموعة أسامة منصور وشادي المولوي، وصار يقاتل إلى جانبها في أزقة باب التبانة مستخدماً بندقيّة من نوع «كلاشينكوف». وبعد فترة قصيرة، كان الشاب يجلس إلى جانب «أبو عمر» ويعلن ولاءه لـ «النصرة» والبيعة لأميرها أبو محمّد الجولاني.
المرّة الأخيرة التي شاهد فيها منصور والمولوي و «أبو أسيد» والعديد من المنتمين إلى «النصرة».. كانت أثناء المعارك الأخيرة لهذه المجموعات ضدّ الجيش قبيل تنفيذ الخطّة الأمنيّة. ينفي «خطّاب» أن يكون قد شارك في المعركة الأخيرة. أمّا الصّور التي وجدت على هاتفه وأرسلها إلى زوجته حاملاً السلاح في سوق الخضار مع مقاتلي مجموعته كانت بهدف «الفخفخة»، ليس إلّا.
هرب المولوي ومنصور وغيرهما، وخفت بريق «النصرة». وبرغم ذلك، لم يثنه الأمر. جلّ ما فعله الشاب هو تعديل المسلك قليلاً باتّجاه التطرّف. فعندما لمس ضعف «النّصرة» وسطوع نجم «داعش»، أعجب بالثاني وازداد قناعة بضرورة الجهاد بهدف إقامة الدّولة الإسلاميّة وأضحى هذا الموضوع يأخذ حيّزاً بارزاً في أحاديثه.
صار بعض أصدقائه يقنعه بمرافقته للانضمام إلى «داعش». أعاقته الظروف من دون أن يبدّل قناعاته، بل باتت المحادثات التي يجريها مع أصدقائه في سوريا والعراق تزيد من إصراره للالتحاق بـ «داعش» بعد أن وعد أحدهم بالتقدّم بالبيعة من «الخليفة» أبو بكر البغدادي فور وصوله قريباً إلى العراق أو سوريا.
وهو اعترف خلال التحقيق معه في المديريّة العامّة للأمن العام بأنّه لو استحصل على جواز سفر لبناني أو حتى سوريّ مزوّر، فإنّه سيسافر إلى تركيا برفقة عائلته. أنهى تحضير مخطّطه بهذا الشأن: سيصل إلى تركيا، ويتواصل مع أحد الأشخاص لمساعدته بدّخول سوريا، وإعلان نفسه واحداً من عناصر التنظيم الإرهابيّ بهدف «نيل الشهادة»!