الجمعة 12 تموز 2019 12:24 م |
"المبسوط"قاتل طرابلس وقتيلها:سيرة الاضطراب بين الدين والمخدرات |
* جنى الدهيبي مات عبدالرحمن مبسوط، ومات سرّه معه. أكثر من شهرٍ مضى على العمل الإرهابي الذي نفذه، ليلة عيد الفطر في 3 حزيران 2019، في طرابلس، وذهب ضحيته أربعة شهداء من عناصر قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، قبل أن يسقط في شباك عمله، ويقتل نفسه.
أين دُفن؟
طليقته وطفلاه
محاضر الاستخبارات هذا المسار، يذكرنا بصباح عيد الفطر، حين زارت وزيرة الداخلية ريا الحسن طرابلس لتفقدها، ووصفت جريمة المبسوط بـ "الحادثة الفردية"، وأردف المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أنّ "منفذ العمليات كان في حالة نفسية غير مستقرة. وما حصل هو حادث فردي". حينّها، نتج عن هذين التصريحين، سجال كبير أخذ منحى التسييس، واُتهمت الحسن ومعها عثمان بـ"الاستعجال" في استنتاجهما، لا سيما في ظلّ وجود فريقٍ "حكومي" آخر، كان يدفع نحو نظرية ارتباط المبسوط بداعش، التي تستعيد إرهابها في لبنان. وحينها أيضًا، تجددت موجة "التخويف" من عودة التنظيمات الإرهابية، ومن خطر تمدد "ذئابها المنفردة" وأذرعتها الإسلامية في بعض المناطق اللبنانية.
بيع الأثاث وشراء السلاح في محاضر تحقيقات استخبارات الجيش، والتي سبق أن سُرّبت لبعض وسائل الإعلام، صنفت المبسوط "ذئبًا منفردًا" نفذ عمليته الإرهابية بعد تبنيه الفكر التكفيري، ولم يتبيّن تلقيه أوامر قيادية مباشرة أو غير مباشرة من تنظيم داعش لتنفيذ العمل الأمني في طرابلس. وأشارت أنّ هناك 12 موقوفًا من أصل 32 كان مشتبهًا بهم، وتبين أن بعض الموقوفين ساعدوا المبسوط في بيع أثاث منزله لشراء السلاح والذخيرة والقنابل، وأن أحدهم كان على علم كامل بنيته في تنفيذ العملية، وسهّل "مهمته"، وهو من آل القطمة ملقب بـ"أبو تراب" يؤمن بالأفكار الدينية المتطرفة لتنظيم داعش. عرضت التحقيقات خريطة مسار العمل الإرهابي للمبسوط في ليلة العيد، التي بدأها من منزله في باب الرمل، وكان في حوزته 5 قنابل يديوية وبندقية من نوع كلاشينكوف مع 8 مماشط. ولدى وصوله إلى سرايا المدينة، بحسب المحاضر نفسها، رمى قنبلة قرب مدخله ثمّ انتقل إلى سنترال الميناء، وهناك ترجّل عن دراجته مطلقًا عيارات نارية عدّة باتجاه آلية تابعة لمفرزة طوارئ طرابلس وأصاب عنصرين كانا فيها. بعد ذلك، انتقل بدراجته إلى المرفأ، وصادف مرور آليه للجيش اللبناني، فترجّل مطلقًا النار باتجاهها، ما أدى إلى استشهاد عريف في الجيش اللبناني، ثم ترك درجاته النارية واتجه مسرعًا نحو محطة محروقات، واستولى على دراجة نارية كان سائقها قد تركها وفرّ، فاستقلها إلى داخل شارع التوليد، قبل أن يدخل إلى المبنى السكني ويخلع إحدى أبواب الشقق للتمترس في داخلها. حينها، طوّقت استخبارات الجيش المبنى، ففتح النار باتجاه وحداتها، وأصاب الملازم الأول حسن فرحات فاستشهد، ثمّ داهمت القوة الخاصة للجيش المبنى حيث دار اطلاق النار مع المبسوط، قبل أن يقتل نفسه.
الحقيقة الضائعة لكن، ومن باب الاستفهام، يبقى ملتبسًا ما ذُكر عن المبسوط في محاضر التحقيق حول مسألة إلتزامه الديني على طريقة داعش. فإذا كان قد عاد من سوريا بعد القتال مع داعش وسُجن في لبنان على إثر هذه التهمة، لماذا لم يكن ملتزمًا دينيًا في تلك المرحلة باستثناء آخر 20 يومًا قبل تنفيذ العملية؟ وعلى أيّ أساس إذن كان ينوي ويسعى للإلتحاق بداعش من دون "عقيدة" دينية تشدّه نحوها؟
لم يذهب إلى سوريا؟ لا شكّ أنّ مسارعة تنظيم "داعش" لإصدار بيانٍ يتبنى فيه عملية المبسوط، بوصفه واحدًا من "جنودها"، لا يتجاوز كونه محاولة للتذكير بوجوده، عبر تبني عمليات إرهابية "لقيطة" لم تلطخ يدها الطولى فيها. وهذا أيضًا، أكدته محاضر التحقيق، على تناقضها، أنّ عملية المبسوط التي وضعتها في خانة "الذئب المنفرد"، هي عمل "فردي" غير مرتبط بأيّ تنظيم متطرف، وإن كان يؤيّد فكره. وحسب المعلومات، فإنّ الموقوفين حاليًا في قضية المبسوط، وهم نحو 12 موقوفًا، من بينهم من آل ح.، ك.، ر.، ه.، م.، ح.، خ.، ليسوا جميعهم على ارتباط مباشر في قضيته. فبعضهم متهم أنّه سهل عمليته، وبعضهم الآخر بتهم آخرى مرتبطة بالإرهاب أو وجدوا أرقامهم في هاتفه. ورغم أنّ فرعي المعلومات والمخابرات ألقيا القبض عليهم، وتبادلتهم الأجهزة للتحقيق، لم تُحل ملفاتهم بعد إلى قاضي التحقيق للبتّ في أحكامهم.
المبسوط المضطرب حين خرج من السجن، عمل في رشّ المبيدات في اتحاد بلديات الفيحاء، من دون أن تصلح طباعه، فكان إذا طلب سلفةً من المال ولم يتجاوبوا معه، يُسارع إلى "هوسه" في تشطيب يديه. بعد ذلك، قدّم طلب توظيف في مرفأ طرابلس للعمل كـ"عتال"، ولم يفلح. وفي آخر مراحله، نقلًا عن أحد أصدقائه، كان المبسوط يكتب على حسابه في فايسبوك (هو مغلق حاليًا) عن معاناته التي يعيشها وعدم قدرته على إيجاد أيّ فرص عمل. ينقل المحيطون بالمبسوط أنّ سلوكه ونمط عيشه وطريقة تعاطيه للمخدرات، لم يدل يوماً على خلفية دينية أو عقائدية، وأنّ هذه "الطفرة" الدينية العصبية والمتطرفة بعماء، كانت تظهر عليه بين فترة وأخرى بشكلٍ هستيري وعصبي، فيما هو أقصى طموحه أن يجد فرصة عمل يسدّ فيها حاجاته بعد تخلي والده عنه. إذ لم تكن علاقة المبسوط مع عائلته ومحيطه سليمة على الإطلاق، وقد سبق لوالده أن طرده من منزله عدّة مرات.
الكيل بمكيالين لا مبرر لجريمة المبسوط بكلّ المقاييس، التي دفع ثمنها شهداء من المؤسسة الأمنية والعسكرية. هذا ما يؤكد عليه صبلوح، لكنّه يصر على ضرورة المصارحة بعيدًا عن التكابر والهروب من الواقع، ويشير إلى أهمية إعادة النظر في آلية التعاطي مع الموقوفين الإسلاميين، "إن كنّا نريد حلًا جذريًا لهذه الظاهرة التي يدفع المواطنون والعسكريون ثمنها غاليًا بأرواحهم وأمنهم". في لبنان "لا تزال الدولة والأجهزة الأمنية والقضاء يتبعون سياسة الكيل بمكيالين. وفيما يُعاملون مقاتلي حزب الله العائدين من سوريا معاملة الأبطال، ويبقى سجلهم نظيفًا، ثمّة من تُدمّر حياته بسبب وثائق الاتصال وهي تتجاوز 11 ألف وثيقة سجلتها مخابرات الجيش". مصير أولاد المبسوط على المحكّ، في بلدٍ ينأى بنفسه وبمنظومته المعقدة عن إيجاد مسلك للتعاطي مع ذوي الضحايا و"المجرمين" على حدٍّ سواء، يقول صبلوح: "إذا لم يُعاد النظر في معالجة ملف الإرهاب، وطريقة التعاطي مع الموقوفين داخل السجون وأثناء توقيفهم ومع ذويهم، وإذا لم تتجرأ الدولة والأجهزة الأمنية على محاسبة بعض العناصر على سلوكهم الشخصي (يشدد على الشخصي) في تعنيف الموقوفين بطريقة مذلة، بدل العمل على إعادة تأهليهم، سنبقى مستقبلًا رهن مئات مستنسخة من عبد الرحمن مبسوط". المصدر :المدن |