الخميس 8 آب 2019 08:22 ص

محمد خالد سنو: لبنان والتجربة الهولندية


* بقلم: محمد خالد سنو*

يشترك لبنان وهولندة في أمور عدّة، إذ يتحدّث الهولنديون بعدّة لغات على رأسها اللغة الهولندية الرسمية للبلاد، واللغة الإنجليزية التي يستعملها السكان الأصليون، بالإضافة إلى اللغات الألمانية والإسبانية والفرنسية. وهذا التنوّع الثقافي واللغوي استغله الهولنديون لصالح ترويج السياحة وتنشيط التجارة والصناعة.
ونحن في لبنان حوّلنا التنوّع الثقافي الى وقود للصراعات والخلافات والتباعد والاحقاد.
لهولندا تقليد من التسامح الاجتماعي يعود تاريخه إلى أمد بعيد، ينعكس في تعايش وتسامح اجتماعي بين الكنيسة الإصلاحية الهولندية وهي الطائفة الدينية الأكبر حجماً، مع طائفة الكاثوليك، وطائفة البروتستانت (على مختلف مذاهبهم كالمعمدانيين واللوثريين)، ومع اتباع الديانة اليهودية.
ونحن في لبنان استخدمنا التعدّدية الدينية أداة وواسطة للمحاصصة والسجالات ووقوداً للفتنة.
عانت هولندة لقرون من الصراعات الداخلية والتدخّل الخارجي، إضافة إلى تحويلها ساحة للحروب العالمية. ومع ذلك، استقر رأي الناس على التمسّك بالمواطنة ومرجعية الدولة، وكانت الأولوية على طريق مأسسة الدولة ونهوض الوطن، تطبيق مفهوم "عزل المجتمع عن المذهبيات الدينية"، وهو يعني الفصل بين السياسة والدين.
ونحن في لبنان، بدلاً من تطبيق بند "إلغاء الطائفية السياسية"، وفقاً لاتفاق الطائف والدستور، نرى البعض يحاول إلغاء اتفاق الطائف بحد ذاته!
تُحوّل الطواحين الهولندية الطاقة الهوائية إلى طاقة حركية تُستخدم لضخّ الماء من الأراضي الغارقة تحت مستوى سطح البحر إلى الأنهار القريبة، ليتمكّن السكان من استصلاح الأراضي واستغلالها للفلاحة والسكن.
أيضاً، قام الهولنديون بإحياء "الحدائق المعلّقة"، عبر جعل أسطح المنازل حدائق مزدهرة هدفها زيادة المساحات الخضراء وتعديل مناخ المدن.
ونحن في لبنان نحوّل المساحات الخضراء إلى أراض قاحلة، والجبال إلى كسّارات، ونحوّل غابات الجبال إلى أراض محروقة لأن شخصاً مهملاً تقاعس عن إطفاء عقب سيجارته أو موقدة الشواء، أو أنّ فاسداً ارتأى أنْ يحوّل أشجار الغابة الى فحم للتدفئة والأراكيل!
ليس هدفي الانتقاد والتجريح، بل الإشارة إلى حالة متشابهة بين بلدين، اختطّ شعب كل منهما طريقه، فانتقى واحد منهم اتجاه الخلاص والرخاء، ووقع الثاني في دوامة البؤس والشقاء.
مواقف السياسيين في لبنان ليست إجحافاً بحق الناس ولا الوطن، وليست تقصيراً، بل هي أقرب إلى الخيانة العظمى. لقد أهملوا مصالح الوطن والمواطن، وأطلقوا العنان للسجال والهراء، وأيقظوا الفتن في كل منحى ومكان، وأجهضوا إرساء القواعد المتينة للعيش المشترك، ونسفوا أسسها عبر المحاصصة والمحسوبيات والفساد. أنهكوا الاقتصاد، واغتالوا الزراعة والسياحة والصناعة والتجارة. ودفعوا بأولادنا الى الكفر بالوطن والهجرة والاغتراب بعيداً عنه، بعد ان سُدت في وجوههم سُبل العمل والعيش الكريم.
ربما تظنّون أنّكم تقبضون على زمام الأمور عبر زعاماتكم، لكن إذا ضاقت الأمور بالناس، فإنّ جُلّ ما يقتضي الأمر صرخة جائع أو عويل أم ثكلى، كي تنفلت الأمور من عقالها، ويُطيح الشعب بكم، وليتها ساعة ندم.
رسالة لمَنْ يغلب عليه اليأس والتشاؤم من الوضع في لبنان، خذوا من التجربة الهولندية مثالاً يُحتذى. لا شيء مستحيل إذا توحّدت رؤية الشعب ومطالبه وآماله من أجل غد مشرق مُشرّف.

*رئيس جمعية الأعمال اللبنانية – الهولندية

 

المصدر : جنوبيات