اختارت وزارة التربية تنظيم دورة ثالثة استثنائية لطلاب غير مبررين دراسياً وليس معروفاً ما إذا كانوا خضعوا للتسلسل المنتظم حتى صف البريفيه، على مواجهة الشارع الذي حرّكته شبكة دكاكين المدارس الخاصة والتي نجحت حتى الآن في الإفلات من المحاسبة
انطلقت أمس الدورة الاستثنائية الثالثة لامتحانات البريفيه وشارك فيها 130 طالباً من أصل 199 حصلوا على بطاقات ترشيح. وكان هؤلاء حرموا من خوض الدورة الأولى العادية، بعدما قررت مدارسهم الوهمية المنضوية في شبكة «دكاكين التعليم الخاصة» تقديم طلبات ترشيحهم في الساعات الأخيرة عشية الامتحانات. ثم سمح لهم بالترشح للدورة الاستثنائية ورسبوا، لتنظم لهم هذا الأسبوع دورة استثنائية أخرى، تحت مجهر كاميرات المراقبة، على خلفية منحهم فرصة ثانية للنجاح، أسوة بكل الممتحنين في الشهادات الرسمية.
لكن من يقصد مقر دائرة الامتحانات الرسمية في بئر حسن، المركز الوحيد المخصص لجميع الممتحنين في كل لبنان، يكتشف بوضوح كيف يتلكأ كثيرون حين يُسألون عن أسماء مدارسهم أو أساتذتهم. إذ أن معظمهم لا يعرفون أصلاً إلى أي مدارس ينتمون. أحدهم، مثلاً، بدا مقتنعاً بأن مدرسة «ايديال كولدج» هي نفسها «رواد السلام». هؤلاء دفعوا أموالاً للترشح للامتحانات فحسب، ومنهم من تسجل في معاهد تقوية بعد الظهر ولم ينتسب إلى أي مدرسة، ومنهم من كان راسباً وانتقل إلى إحدى المدارس - الدكاكين التي رفّعته الى البريفيه، ومن بينهم من أشار إلى أن إدارة مدرسته لم تسمح له بالتقدم إلى الامتحانات على لوائحها لتحافظ على نسبة نجاح 100%، فلجأ إلى مدرسة أخرى، وغيرها من اشكاليات تشوب ملفاً لم يكن ليعالج بهذه الطريقة، بإقرار مصادر مسؤولة، لو لم تهدد المدارس - الدكاكين وزارة التربية وتضعها أمام خيارين: إما قبول الترشيحات أو الشارع!
الوزارة اختارت السماح للطلاب بإجراء الامتحانات وإعطاءهم فرصاً متساوية مع أقرانهم، رغم أن تسجيل غالبية هؤلاء غير مبرر، ولم يجر التأكد ما إذا كانوا يستوفون متطلبات التسلسل الدراسي المنتظم حتى الصف الذي انتسب إليه كل منهم في السنة الدراسية 2018 - 2019، كما يشترط المرسوم الخاص بهم، الصادر في 16 تموز الماضي، والذي يسمح بإجراء الامتحان «استثنائياً ولمرة واحدة فقط للذين تابعوا الدراسة في مدارس خاصة عاملة بموجب موافقات استثنائية اعطيت سابقاً لها، ولم يتم ترشيحهم للدورة العادية 2019...». كما ان ليس في حوزة الوزارة معلومات وافية عن الهيئة التعليمية في هذه المدارس ومخالفاتها على هذا الصعيد لجهة استقدام أساتذة سوريين لا تعرف شيئاً عن شهاداتهم التعليمية وما إذا كانوا يملكون ترخيصاً بالتعليم أم لا.
الحجج التي ساقتها الوزارة لقبول الترشيحات هي عدم تحميل الطلاب وأهاليهم وزر الصفقات والسمسرات التي تعقدها المدارس - الدكاكين مع مسؤولين وموظفين متواطئين في مصلحة التعليم الخاص، و«ما بدنا يكونوا ضحايا للتجار، وحسابنا سيكون مع المدرسة في ما بعد». مع ذلك، لم يتحرك حتى الآن الملف الذي حولّه وزير التربية إلى التفتيش المركزي بعد الدورة الأولى، كما لم يتخذ أي إجراء قانوني بحق أصحاب المدارس الوهمية الذين يتلاعبون بمستقبل الطلاب، ولم يحوّل أي موظف في وزارة التربية مرتكب إلى القضاء أو النيابة العامة المالية ولم يكشف من يدير اللعبة ويصدر فتاوى قانونية لتمرير ملفات هذه المدارس وقبض الرشاوى.
وكانت شبكة المدارس - الدكاكين فشلت هذا العام في نيل الموافقات الاستثنائية التي «تغطي تزوير أصحاب المدارس للوائح الطلاب وللإفادات وتسجيل الطلاب الوهميين منهم وترفيع الراسبين لقاء مبالغ مالية. وهذه الموافقات كانت تجدد تلقائياً بلا حسيب أو رقيب، ومن دون الحاجة إلى نيل ترخيص.
أسماء الممتحنين الاستثنائيين اندرجت ضمن لوائح 27 «مدرسة خاصة» تقع غالبيتها في المنطقة التربوية لجبل لبنان (21 مدرسة)، فيما تتوزع المدارس الأخرى على المحافظات كالآتي: الشمال (مدرسة واحدة) والبقاع (مدرستان) وبعلبك – الهرمل (3 مدارس). علماً أن عدد المدارس التي تحظى بموافقات استثنائية ولم ترتب أوضاعها يفوق هذا العدد بكثير.
الأهالي المتجمعون خارج المركز كرروا ما قالوه في الاعتصام الذي نفذوه تزامناً مع الدورة الأولى، وهو أن لا ذنب لتلميذ تعب في المدرسة وفي المعاهد الخصوصية طيلة العام، إذا كانت إدارة مدرسته فاسدة، سائلين عن الأسباب الحقيقية التي جعلت هذه المشكلة تطفو على السطح هذه السنة بالذات، علماً بأن للممتحنين أخوة تخرجوا من هذه المدارس وباتوا اليوم في الجامعات!
أمس، احتج الطلاب وأهاليهم على عدم إعداد مسابقة باللغة العربية لمادة الكيمياء، خصوصاً أنهم درسوا المادة بهذه اللغة لا سيما الطلاب السوريين منهم. مصادر دائرة الامتحانات أوضحت أنّه لم يكن لديها علم بأن المدارس الخاصة تدرس هذه المادة باللغة العربية وأن أياً منها لم يطلب تكييف المسابقة على غرار ما حصل في الدورتين الأولى والثانية، لكنها الدائرة وعدت بأنها ستفعل ذلك في مسابقات الأيام المقبلة لا سيما البيولوجيا والفيزياء والرياضيات، مؤكدة أنها ستضع علامة لاغية فقط للذين لم يكتبوا أي حرف على ورقة الإجابة.
كذلك شكا الأهالي من تغيير برنامج الامتحان عشية اليوم الأول للاستحقاق، وهو ما نفته الدائرة، إذ أعلنت تغيير البرنامج الذي وضعته سابقاً والذي يوزع المواد على 3 أيام وحولته إلى 4 أيام تنتهي السبت المقبل، عندما أوصت المفتشية العامة التربوية بذلك منذ أكثر من اسبوع، على غرار الدورتين الأولى والثانية، لتحقيق شرط العدالة مع باقي المرشحين.
يذكر أن العدد القليل للممتحنين سمح لدائرة الامتحانات باختبار تقنية face recnognition التي تؤكد حضور المرشحين إلى مركز الامتحانات بالتقاط صور للوجوه، وهي ستوصي باعتمادها في السنوات المقبلة إذا ثبتت فعاليتها. وكان لافتاً إنجاز لجان الامتحانات لاسس التصحيح والتصحيح لمواد اليوم الأول، وهو ما سيحصل طيلة ايام الامتحانات، ما يعني أن صدور النتائج لن يتأخر.