عام يفصلنا عن احتفال المديرية العامة للأمن العام بمئوية لبنان الكبير. هذا الكيان الصعب، المتجذر في التاريخ، المثقل بتعقيدات جيوبوليتيكية كانت تضعه دائما في عين الخطر. الأمن العام عمره من عمر لبنان، اضطلع بأدوار مهمة وكبيرة، كان ولا يزال في متن هذه الجمهورية وصلبها منذ وُلد لبنان الكبير عام 1920 حتى اليوم.
الاحتفال عند الأفراد غيره عند المؤسسات. فهؤلاء يحتفلون بالميلاد وما تعاقب عليه من سنين ماضية، لكن عند المديرية العامة للأمن العام، يكون الاحتفال استعدادا لما هو آت، واستمرارا لصون الجمهورية وضمان امنها وامن مواطنيها. فيكون العيد ليس استعادة لماض مضى، بقدر ما هو تأهب للمستقبل وما يحمله من تحديات، لذلك كان القرار في العام 2013 الاحتفال في 27 من آب بعيد الأمن العام ليحصي ما كان في زمنَي لبنان الكبير ومن ثم الجمهورية اللبنانية، من عمل في سبيل خدمة لبنان بالجهد والتضحيات.
بقي الأمن العام خلال الحرب المشؤومة موحدا، حمى ارشيفه ومحفوظاته، لكنه اضطر الى حرق قسم كي لا يقع بين ايدي المتقاتلين. وبينما كان لبنان يحترق من اقصاه الى اقصاه، وفي ظل الفوضى العارمة، اضطلع الأمن العام بدور بالغ الدقة إذ تحوّل مقره إلى مكان للقاء المتقاتلين لبحث وقف اطلاق النار، او عمليات تبادل مخطوفين، وصولا حتى اقرار وثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ"اتفاق الطائف".
منذ العام 2012 انصب جهدنا على رسم خطط للمستقبل، وبات للأمن العام حضور مميز. فعلى المستوى الامني، كان اول من اطلق مفهوم العمليات الامنية الاستباقية وترجمتها ميدانيا لتحقيق شعار "لبنان الآمن" ضمانا للبنان. كما وسّع حضوره الاداري والخدماتي على مساحة الجغرافيا اللبنانية من خلال استحداث او تأهيل دوائر ومراكز جديدة، فقصّر المسافات بين المواطن والامن العام، وسهّل المعاملات، وطوّر الخدمات. وقد لاقى الأمن العام الحرب السورية بإجراءات وقائية امنيا وانسانيا، واستحدث مراكز للرعايا السوريين في كل المحافظات لتنظيم معاملاتهم.
وكانت للانسان في الامن العام الحصة الاكبر، من اجل تعزيز دوره وترشيد قدراته وحسن تنفيذ مهماته، تم تنشيط التدريب في الداخل والخارج، ناهيك بإعداد مدرّبين بالتعاون مع دول اوروبية وعربية. كذلك أطلق برامج مع الاتحاد الاوروبي، ومع منظمات الأمم المتحدة. في الاثناء، كان الجهد عينه كمّا ونوعا منصبا على تطوير الإدارة على مستوى المكننة الكاملة واطلاق الخدمات الالكترونية. فضلا عن إبرام بروتوكولات تعاون مع نقابتي المحامين في بيروت والشمال ومع جمعية المصارف والجامعات الخاصة والجامعة اللبنانية.
لقد كان للأمن العام منذ العام 2012 مهمات بالغة الأهمية بأبعادها السياسية، تجسد ذلك في قيادة مفاوضات ووساطات متتالية أدت إلى إستعادة جثث اللبنانيين الذين قضوا في تلكلخ من سوريا والاسير حسان سرور الذي كان ضمن المجموعة نفسها، وتحرير مخطوفي أعزاز، وراهبات دير سيدة معلولا، والعسكريين المخطوفين لدى التنظيمات الإرهابية عام 2015، وصولا إلى استعادة نزار زكا من ايران والمساعدة على اطلاق الموقوف الكندي كريستيان لي باكستر في سوريا، وما بينهما من معالجة دقيقة لملف النازحين السوريين وتامين عودة الكثيرين منهم. عدا عن اقامة قنوات حوار وتعاون أمني مع الكثير من الدول لمصلحة لبنان وتحت سقف القانون برعاية السلطة التنفيذية. عدا عن المساهمة في تذليل الخلافات وتقريب وجهات النظر بإزاء استحقاقات وطنية داهمة.
على باب مئوية لبنان الحديث، آن للبنانيين في العيد الـ99، تأكيد بلوغهم الرشد السياسي ليتوجهوا نحو البحث عن المشتركات الوطنية والبناء عليها، اما أنا ورفاقي في السلك فنفتخر بما تحقق. عهدنا للبنانيين هذا العام المثابرة ومسابقة الزمن لما هو افضل. أما الوعد فهو تقديم كل شيء في سبيل الوطن مهما غلت التضحيات.