كشفت عمليات المكننة الجارية في دوائر النافعة حالياً، عن عملية تزوير واسعة لإيصالات رسوم الميكانيك المستوفاة في مركز الأوزاعي بقيمة 2,5 مليار ليرة. ستة موظفين وعدد من السماسرة دأبوا منذ ٢٠٠٩ على استيفاء الرسوم لجيوبهم
آخر فضائح الفساد جاءت من دائرة النافعة في الأوزاعي حيث اكتُشف وجود ٣٢٨١ إيصالاً مزوّراً قيمتها الإجمالية تزيد على 2,5 مليار ليرة. فمنذ نحو أربعة أشهر كان أحد موظفي النافعة في الأوزاعي، ينفّذ عملية فكّ حجز لسيارة مملوكة من إحدى شركات القطاع الخاص. ولما طلب منه إبراز المستندات المتعلقة بالمعاملة وأهمها محضر الحجز المنظّم للآلية المحجوزة وإيصال مالي يثبت تسديد رسوم الميكانيك، حاول إدخال المعاملة إلى نظام المعلوماتية، فتبيّن له أن الحجز ملغى وأن الإيصال مدفوع.
ورغم أن المعاملة أثارت شكوكه، إلا أن الأمر لم يخلق حافزاً لمزيد من التدقيق في ضوء النظام المعلوماتي القديم غير المرتبط مباشرة بمراكز الدفع لدى المصارف وباقي المؤسسات الحاصلة على تراخيص استيفاء رسوم الميكانيك.
غير أن الأمر تكرّر لاحقاً على سيارة مملوكة من الشركة نفسها أكثر من مرّة، ما جعل التدقيق في الإيصالات المالية أمراً ضرورياً. عندها استعانت هيئة إدارة السير بفريق المكننة الذي يجري عملية تحديث شاملة لنظام المعلوماتية، فتبيّن أن الأمر ينطوي على وقائع تثبت عملية تزوير الإيصالات. بعدها، انطلق فريق المعلوماتية في عملية بحث واسعة عن ثغرات إضافية في النظام المعلوماتي تكشف المزيد من عمليات التزوير. وأظهرت عملية التدقيق أن غالبية الإيصالات المالية المزوّرة تعود إلى سيارات مملوكة من أفراد ومن شركات عدة غالبيتها لتأجير سيارات، وأن هذه العملية بدأت عام ٢٠٠٩ واستمرّت للسنوات التالية.
بعد اكتمال عملية التدقيق في مكامن التزوير ومواقعه وتجميع الإيصالات المشتبه في أنها مزوّرة، جرت مطابقة الإيصالات مع البيانات المسجّلة لدى وزارة المال ليظهر أن الإيصالات المدفوعة لدى نافعة الأوزاعي والبالغ عددها ٣٢٨١ إيصالاً وهمية قد أدخلت بعض أرقامها بشكل يدوي إلى النظام. وهذا يعني أن المبالغ المستوفاة من الأفراد والشركات لتسديد رسوم الميكانيك بواسطة هذه الإيصالات، لم تدخل حسابات النافعة في الأوزاعي، بل دخلت إلى جيوب بعض الموظفين.
وتشير التحقيقات إلى أن رئيس نافعة الأوزاعي محمد عيد أوعز إلى عدد من الموظفين بفتح «كلمة السر» على جهاز كومبيوتر الموظف علي محمود مداورة وبشكل دائم. «مرّة استخدمت كلمة السر الخاصة بطوني عيسى ومرة بكلمة السر الخاصة بعلي الحاج شحادة ومرّة بكلمة السر الخاصة بمحمود بركات” وفق ما ورد في التحقيقات.
كذلك تقول هيئة إدارة السير إن بركات والحاج شحادة وعيسى بالإضافة إلى علي سليم، «كانوا يقومون بإدخال أرقام إيصالات وهمية على حواسيبهم لرسوم الميكانيك العائدة لآليات مختلفة من دون أن تكون القيمة الفعلية لهذه الإيصالات قد استوفيت في صناديق وزارة المالية الموجودة في هيئة إدارة السير”.
فتح كلمة السرّ على جهاز محمود كانت له دوافع وأسباب. فكلمة السرّ هذه تستعمل بهدف الإدخال اليدوي لتفاصيل الإيصالات المبرزة من أصحاب العلاقة والتي لم تدخل إلى نظام المعلوماتية بسبب عدم وجود ربط مباشر بين أجهزة النافعة والأطراف الخارجية (المصارف، ليبان بوست، أو أم تي…) حيث يسدّد المواطنون رسوم الميكانيك.
ويبدو أن نظام المكننة السابق في النافعة كان يحمل بذرة الغشّ في جوهره. فقد اعتُبر أن إبراز صاحب العلاقة الإيصال المالي لرسم الميكانيك أمام الموظّف هو دليل ثابت على تسديد الرسوم، وأنه بات بالإمكان الولوج إلى النظام لإدخال البيانات يدوياً. دواعي هذا الاعتبار الغريب والخطير، أن بعض أصحاب العلاقة كانوا يدفعون رسوم الميكانيك لدى الأطراف الخارجية قبل يوم واحد أو في اليوم نفسه لذهابهم إلى النافعة، ما يعني أن بيانات النافعة لم تحدّث بعد ولم تدخل إليها البيانات الجديدة… وقد اكتشف الموظفون هذه الثغرة ليتلاعبوا بالإيصالات ويقدموا على تزويرها واختلاس الأموال بهذه الطريقة.
وقال وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ «الأخبار” إن هذه العملية اكتشفت بسبب أعمال تطوير وتحديث المكننة التي تضع حالياً أساليب عمل أكثر تطوراً وانسجاماً مع متطلبات عمل النافعة. وأوضح أنه لم يثبت تورّط أي من الشركات في هذه العملية، علماً بأن بعض السماسرة قد يكونون متواطئين مع الموظفين في عملية التزوير هذه.
الموظفون المتورطون عوقبوا بالعقوبة القصوى، أي حسم راتب ١٠ أيام من عملهم. وبحسب مصادر مطلعة، فإنه ليس هناك عقوبة تصل إلى حدّ الفصل من الوظيفة، بل أعيد هؤلاء إلى وظيفتهم في انتظار الادعاء عليهم من قبل النيابة العامة المالية والتفتيش المركزي ومجلس التأديب.