تشهد المنطقة العربية منذ زمن موجات هجرة، منها وإليها، تؤثر في الواقع الاقتصادي والديموغرافي للدول. في الآونة الأخيرة ازداد الحديث عن موجات الهجرة، وتحديداً غير الشرعية، بعدما بلغ عدد الواصلين إلى أوروبا عبر البحر مليون مهاجر عام 2015 معظمهم من سوريا وأفريقيا وجنوب آسيا، في أكبر موجة هجرة منذ الحرب العالمية الثانية. الحصيلة النهائية لعام 2015 كانت موت 3692 مهاجراً في البحر.
لا تقتصر هذه الهجرة القسرية على أوروبا إنما تطاول الدول العربية، فقد تجاوز عدد اللاجئين السوريين 3.9 ملايين لاجئ في ايار 2015، منهم مليون و100 الف لاجئ في لبنان، الذي بات في المرتبة الثانية بين البلدان المضيفة للاجئين في العالم، إذ يضم أعلى نسبة من اللاجئين تبلغ 257 لاجئا لكل 1000 مواطن. هكذا، باتت نسبة المهاجرين في لبنان 26% من عدد السكان، إذا أضفنا عدد اللاجئين السوريين المسجلين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أمّا من دون احتسابهم فتبلغ النسبة 17.6% من عدد السكان.
فقد أطلقت منظمة «الإسكوا» والمنظمة الدولية للهجرة بالأمس تقرير «الهجرة والنزوح والتنمية في منطقة عربية متغيرة»، الذي أوضح أنّ المنطقة العربية تضم كتلة سكانية هي من أكبر الكتل المهاجرة واسرعها نموا في العالم، إذ تجاوز عدد المهاجرين الى البلدان العربية، عام 2013، 30 مليون مهاجر دولي، أي 8.24% من مجموع عدد سكان المنطقة العربية. يأتي القسم الأكبر من المهاجرين من الدول الآسيوية بحيث يشكل المهاجرون الآتون من بنغلادش، الهند، إندونيسيا، باكستان والفيليبين أكثر من 51% من أعداد المهاجرين.
أمّا في ما يتعلق بالهجرة من البلدان العربية، فقد قدّر التقرير عدد المهاجرين من البلدان العربية عام 2013 بأكثر من 21 مليون مهاجر، أي 5.9% من مجموع سكان المنطقة العربية. 57.3% من هؤلاء هم ذكور مقابل 42.7% من الإناث التي تعد نسبة أدنى بكثير من متوسط النسبة العالمية لهجرة الإناث البالغة 48% من مجموع المهاجرين.
يقسم التقرير الهجرة إلى ثلاثة أنماط هي: هجرة العمالة النظامية وغير النظامية، الهجرة القسرية والهجرة المختلطة، كما يقسّم المنطقة العربية الى 4 مجموعات: دول مجلس التعاون الخليجي، دول المغرب العربي، دول المشرق العربي (لبنان، مصر، سوريا، الاردن، العراق، فلسطين)، والدول العربية الاقل نموا.
أميركا وجهة اللبنانيين... لا الخليج
ان وجهة الهجرة تختلف بحسب مجموعات البلدان بحيث يتجه المهاجرون من دول مجلس التعاون الخليجي الى السعودية وأميركا، ويتجه المهاجرون من بلدان المغرب العربي الى أوروبا، ويتجه المهاجرون من بلدان المشرق العربي الى بلدان عربية أخرى وأميركا.
يخفف التقرير من المبالغات الحاصلة في مسألة تركز الهجرة اللبنانية في دول الخليج ويقدّم أرقاماً واضحة عن توزّع المهاجرين اللبنانيين منذ عام 1990 حتى عام 2013. فقد تطورت أعداد المهاجرين من لبنان، إذ سجلت عام 1990 نحو 500 الف مهاجر يعيش العدد الأكبر منهم في أميركا (99401 مهاجر) والسعودية (99241 مهاجرا) ومن ثم أستراليا وكندا وألمانيا، ليرتفع العدد الى 683 الف مهاجر عام 2013، منهم 124 الف مهاجر ينتمون الى فئة الشباب (من عمر 15 الى 24). عام 2013 شهدت اعداد المهاجرين تبدلات ملحوظة، بحيث حافظت أميركا على المرتبة الاولى في بلدان المقصد وارتفع عدد المهاجرين اليها من لبنان الى 126 الف مهاجر يليها 96 الف مهاجر في استراليا، 87 الف مهاجر في كندا، 67 الف مهاجر في المانيا، أمّا السعودية فقد تراجعت أعداد المهاجرين اليها من لبنان الى 57 ألف مهاجر. بالمقابل بلغ عدد المهاجرين من البلدان العربية إلى لبنان 826 الف مهاجر عام 2013. بذلك حل لبنان في المرتبة الثامنة بين بلدان المقصد العشرة الأولى للمهاجرين من البلدان العربية، بعدما تصدرت فرنسا اللائحة بمليونين و870 الف مهاجر يليها الأردن ومن ثم السعودية بمليونين و672 ألف مهاجر.
الانعكاسات الاقتصادية: تحويلات مالية ضخمة
لهذه الهجرة انعكاسات إقتصادية كبيرة إذ بلغت قيمة التحويلات المالية المسجلة الخارجة من البلدان العربية 74.1 مليار دولار عام 2012، القسم الأكبر منها من بلدان مجلس التعاون الخليجي (15.7% من مجموع التحويلات المالية في العالم)، فيما تلقت المنطقة العربية عام 2014 تحويلات مالية تجاوزت 50.5 مليار دولار. كذلك كانت البلدان العربية عام 2012 وجهة 29% من التحويلات الخارجة من دول عربية، أي 24.1 مليار دولار.
على صعيد بلدان المشرق العربي، يوضح التقرير أنّ المهاجرين أرسلوا عام 2012 من هذه البلدان تحويلات مالية بقيمة 5.6 مليارات دولار (10% من تحويلات المنطقة العربية). كانت مساهمة المهاجرين في لبنان في التحويلات الخارجة من بلدان المشرق العربي الأكبر، وقد بلغت 4.2 مليارات دولار. أمّا بالنسبة للتحويلات الواردة، فتتلقى هذه الدول أعلى قيمة تحويلات مقارنة بالدول العربية الاخرى، إذ بلغت قيمة التحويلات الواردة 34.8 مليار دولار عام 2014. وحل لبنان في المرتبة الثامنة بين بلدان العالم من حيث حجم التحويلات الواردة اليه، التي بلغت 7 مليارات دولار مشكّلةً 17% من الناتج الاجمالي المحلي عام 2013.