وضع الرئيس الفلسطيني محمود عباس خارطة طريق فلسطينية للمرحلة المُقبِلة، داخلياً، وفي العلاقة مع الاحتلال، وعربياً ودولياً.
اختار الرئيس الفلسطيني الإعلان عن ذلك، من على منبر الأمم المُتّحدة، في الدورة الـ74 للجمعية العامة، وإنْ كان يتمنّى أنْ يُعلِن انتهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، لكن مُمارسات الاحتلال مع اليمين المُتطرِّف، الذي يقوده بنيامين نتنياهو، تضرب عرض الحائط بكل القوانين والشرائع الدولية.
وشدّد الرئيس "أبو مازن" على أنّه "في حال أقدمت أي حكومة إسرائيلية على ضم غور الأردن وشمال البحر الميت والمُستوطنات الاستعمارية للسيادة الإسرائيلية، رغم أنّها أراضٍ فلسطينية مُحتلّة، فإنّ جميع الاتفاقات المُوقّعة مع حكومة الاحتلال، وما ترتّب عليها من التزامات ستكون مُنتهية، وذلك انسجاماً مع قرارات سابقة كُنّا قد اتخذناها، وسيكون من حقّنا الدفاع عن حقوقنا بالوسائل المُتاحة، مهما كانت النتائج، لكنّنا سنبقى مُلتزمين بالشرعية الدولية ومُحاربة الإرهاب، وستبقى أيدينا ممدودة من أجل تحقيق السلام".
وأعلن عن أنّه سيدعو إلى "انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، في القدس والضفّة الغربية وقطاع غزّة، وذلك بعد العودة إلى أرض الوطن"، مُشيراً إلى أنّ "الانتخابات توقّفت بسبب "انقلاب" حماس في قطاع غزّة".
وتوجّه بالشكر إلى "جميع القادة والدول والمُنظّمات الدولية، التي دانت أو رفضت هذا الإعلان والاستيطان بأكمله، الذي يُشكِّل انتهاكاً صارخاً لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، التي أكدت أنّ القضية الفلسطينية تبقى القضية المركزية الأولى للعالم أجمع، رغم المُحاولات اليائسة لحرف الانتباه عنها".
وتوجّه إلى أعضاء الجمعية العامة: "أسألكم، ماذا كنتُم ستفعلون إذا أتاكم مَنْ يأخذ منكم أرض بلادكم، ويقضي على وجودكم فيها؟، لقد آن الأوان لأنْ يتحمّل المُجتمع الدولي مسؤولياته لوضع حدٍّ لهذا العدوان، وهذه العنجهية الإسرائيلية".
وقال: "لقد كنتُ أتمنّى أنْ آتي إليكم هذا العام، كي نُعلِن سوياً انتهاء الاحتلال الإسرائيلي لبلادي فلسطين، لكنّني مع الأسف أقف أمامكم اليوم، حاملاً ذات الهموم والأوجاع التي يُكابِدها شعبي، الذي لا يزال رغم كل ما يتعرّض له من الظلم والقهر والاحتلال، يتمسّك بالأمل أنْ ينال حريّته واستقلاله أسوةً بجميع شعوب العالم".
وأشار الرئيس الفلسطيني إلى أنّه "لقد منحَتْ جمعيّتكم المُوقّرة دولة فلسطين صفة الدولة المُراقب في الأمم المُتّحدة عام 2012، ونحن نُقدِّر لكم هذا الموقف القانوني والأخلاقي، ونشكر لكم مُوقِفَكم مع مُطالِبنا العادلة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين، وتجسيد استقلالها التام والكامل على حدود الرابع من حزيران عام 1967، مع الحل العادل والشامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين طالت مُعاناتهم".
وأوضح "لقد قبِلْنَا بالشرعية الدولية، وبالقانون الدولي حَكَماً لحل قضيّتنا، وسعينا وما زلنا من أجل السلام العادل والشامل، لكن القانون الدولي، الذي قبلنا به وتمسّكنا به، والسلام الذي نسعى إليه، أصبحا في خطرٍ شديدٍ بسبب السياسات والإجراءات التي تقوم بها "إسرائيل" في أرضنا المُحتلّة، وبسبب تنكّرها للاتفاقات المُوقَّعة معها، منذ اتفاق أوسلو عام 1993 وإلى الآن. إنّ مسؤولية حماية السلام والقانون الدولي تقع على عاتقكم".
الرئيس الفلسطيني الذي عرضة لتجاوزات الاحتلال، حذّر من "السياسات والمُمارسات الطائشة للاحتلال في القدس، وما يُمكِنْ أنْ يترتّب عليها من تداعيات خطيرة لا تُحمد عُقباها"، مشيراً إلى أنّ "إسرائيل تقوم منذ عدّة أشهر باقتطاعات تعسّفية من أموالنا، ومُصادَرَة جزءٍ منها، الأمر الذي زاد من مُعاناة شعبنا، حيث لم يعد بمقدورِنا أنْ نفي بالتزاماتنا المالية تجاه مُواطنينا، وفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا، في ظل قِلّة الموارد، وإحجام بعض الجهات والدول عن الوفاء بالتزاماتها لنا".
وبنباهَةِ القائد المُدرِك لإصرار شعبه، شدّد على أنّ "الشعب الفلسطيني لن يرضخ للاحتلال مهما كانت الظروف، ومهما زادت المُعاناة، وسوف يُواصِل صموده على أرضه، وسوف نُقاوم الاحتلال بكل الوسائل المُتاحة، وعلى رأسها المُقاومة الشعبية السلمية، فهذا حقّنا المشروع، وهذا واجبنا الوطني والأخلاقي، وليعلم الجميع أنّ الاحتلال لا يُمكِن أنْ يأتي بالسلام، أو يُحقِّق الأمن والاستقرار لأحد".
وأكد الرئيس عباس أنّه "من حق الفلسطينيين الدفاع عن حقوقهم بالوسائل المُتاحة، مهما كانت النتائج، وأنّ القيادة الفلسطينية ستبقى مُلتزمة بالشرعية الدولية، ومُحاربة الإرهاب، وستُبقي أيديها مُمدودة من أجل تحقيق السلام".
وعرض للانحياز الأميركي، مُشيراً إلى أنّ "ما يدعو إلى الأسف، ويُثير الدهشة والاستغراب، هو أنّ الولايات المُتحدة التي هي عضو دائم في مجلس الأمن، وبدل أنْ تصونَ السلام والأمن الدوليين، وتحترم قرارات الأمم المُتحدة، تُسانِد العدوان الإسرائيلي علينا، وتتنكّر لمسؤولياتها الدولية والقانونية والسياسية والأخلاقية، بل أقدَمَتْ على إجراءاتٍ غير قانونية وغاية في العدوانية، عندما قرّرتْ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقلت سفارتها إليها، في استفزازٍ صارخٍ لمشاعر مئات ملايين المُسلمين والمسيحيين، الذين تُمثِّل القدس جزءاً من عقيدتهم الدينية. ستبقى القدسُ عاصمة فلسطين الأبدية شاء مَنْ شاء، وأبى مَنْ أبى".
وأوضح أنّ "الإدارة الأميركية لم تتوقّف عند هذا الحد، بل أقدَمَتْ أيضاً على إغلاق مكتب مُنظّمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وادّعى مسؤولون فيها أنّ المُستوطنات الإسرائيلية في أرضنا المُحتلّة شرعية، بالإضافة إلى قيامها بقطع المُساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، في عملٍ غير أخلاقي وغير إنساني، ثم تأتي لتتحدّث عمّا يُسمّى "صفقة القرن"، وتُلوّح بحلول اقتصادية وهمية وواهية، بعدما نسفت بسياساتها وإجراءاتها كل فُرص تحقيق السلام".
ورأى أنّ "السياسة الأميركية شجّعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي على التنكُّر لجميع الاتفاقات المُوقّعة بيننا وبينها، والتراجع عن جميع التزاماتها تجاه السلام، ما أفقد عملية السلام كل مُصداقية، ودفع قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني إلى فقدان الأمل في السلام المنشود، وجعل حل الدولتين في مهب الريح، وجعل أصواتاً عدّة تتساءل وبقوّة: إذا كان حل الدولتين لم يَعُدْ مُمكِناً بسبب سياسات الحكومة الإسرائيلية، فلماذا لا تذهبون إلى حل الدولة الواحدة، التي يعيش فيها جميع المُواطنين بعدالة ومُساواة في الحقوق والواجبات، وأنا أسألكم ها هنا: ماذا عسايَ أنْ أُجيب على هذه التساؤلات الشعبية؟ من جهتي سأبقى مُلتزماً بحل الدولتين".