السبت 12 تشرين الأول 2019 07:08 ص

رحيل "المير" محمد شهاب ... بصمات مقاصدية ونقابية للمحامين


* هيثم زعيتر

برحيل المحامي الأمير محمد رياض شهاب، تفقد مدينة صيدا شخصيةً من وجوهها المُبدعة في المجال الاجتماعي والمُؤسساتي، وفي الطليعة مهنة المُحاماة، التي أمضى فيها 62 عاماً من سنوات عمره الـ84، مُتجاوزاً دور المحامي العادي، إلى تشكيله صمام أمان في نقابة المحامين، التي تولى أمانة سرها لسنوات عدة، وشغل منصب نقيب المحامين بالوكالة، بعدما عُين النقيب عصام خوري وزيراً للتربية الوطنية والفنون الجميلة في حكومة الرئيس شفيق الوزان، بتاريخ 7 تشرين الأول 1982 والتي استمرت ولايتها حتى 30 نيسان 1984.
أمضى في عضوية مجلس نقابة المحامين 25 عاماً، هي الأطول في تاريخ النقابة، التي انتسب إلى جدولها في العام 1962، وانتدب مُمثلاً لنقيب المحامين في الجنوب في العام 1962، فكان أصغر المحامين سناً.
وكانت له اسهاماته في نهضة النقابة، وبالمُحافظة على حقوق المُحامين وتطوير هيكليتها الإدارية ومأسستها والنهوض بها.
أبصر محمد شهاب النور في العام 1936 في عائلة الدكتور رياض شهاب، الذي كان في طليعة الرعيل الأول من الأطباء الصيداويين، ومُولياً الاهتمام بـ "جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية" في صيدا، التي ترأسها مع  أول انتخابات لهيئتها العامة في العام 1963، فسار الابن على خطى الوالد، بما تربى عليه في عائلة شهاب، التي تُمثل نموذجاً مُصغراً عن لبنان، بتوزع أبنائها على مُختلف الطوائف والمناطق.
برز تفوق الطفل محمد منذ الصغر، فتعلم فك الحروف الأولى والقراءة والكتابة في منزل العائلة، وعندما دخل "كلية المقاصد" جرى ترفيعه إلى الحديقة الثانية، ثم الثالثة، وهكذا في المرحلة المُتوسطة مُتفوقاً، إلى أن أنهى دراسته الثانوية في العام 1953، حين كانت "المقاصد" تُشكل معقلاً نضالياً من أجل القضية الفلسطينية، والقضايا الوطنية والقومية، والمد الناصري مع انتصار ثورة 23 تموز/يوليو 1952، حيث انتقل إلى مصر مع عدد من زملائه المقاصديين، والتحق بكلية الحقوق في "جامعة القاهرة"، التي تخرج منها حاملاً إجازة الحقوق في العام 1957، أتبعها بإجازة دبلوم في القانون الخاص في العام التالي.
بعد عودته إلى لبنان لم تغب عن باله "المقاصد"، التي انتخب عضواً في مجلسها الإداري الذي ترأسه الحاج علي البزري في العام 1963، فيما كان والده قد انتخب لرئاسة هيئتها العامة في العام ذاته.
في العام 1977 ترشح محمد شهاب لمنصب نائب رئيس المجلس الإداري في "المقاصد" في اللائحة التي ترأسها المفتي الشيخ محمد سليم جلال الدين، ففاز أعضاؤها الـ6، فيما فاز بالرئاسة الدكتور نزار الزين، الذي تنحى عن الرئاسة، فتولاها شهاب فعلياً.
في تلك الفترة حققت "المقاصد" انجازات مهمة، شكلت نقلتها إلى مرحلة جديدة، أسهمت بتطورها، وتمثلت باللقاء مع الشيخ رفيق الحريري، الذي أراد أن يُقدم دعماً إلى "المقاصد" المُحتضنة لدراسته، فكان قراره بناء مدرسة جديدة على أرض للجهة الجنوبية الشرقية للمدينة، حملت اسم "مدرسة عائشة أم المُؤمنين".
كذلك إشادة "بناية المقاصد" في شارع رياض الصلح، التي تكفل ببنائها الحاج يوسف البساط.
وأيضاً افتتاح فرع جامعة BUC في "المقاصد"، قبل أن تتوقف لاحقاً.
احتضن المحامي، الدمث، المحامين، مُمهداً لهم الطريق بدخول عالم المُحاماة، وكثر منهم أصبحوا في مراكز مرموقة، وبينهم قضاة تبوّأوا مراكز رفيعة.
وعلى مدى أكثر من 50 عاماً كان محامياً لبلدية صيدا، فدافع عن مصالحها ومصالح المدينة خلال ولايات رؤساء البلدية: المهندس محمد السعودي، الدكتور عبد الرحمن البزري، المهندس هلال القبرصلي والمهندس أحمد كلش.
كان لنا محطات عديدة مع "المير"، في طليعتها القضية التي رفعها الدكتور إحسان عسيران ضدي وجريدة "اللـواء" بعد نشر حكم صادر عن القاضي الجزائي المُنفرد في الجنوب نبيل وهبة (النائب العام الإستئنافي في الشمال حالياً) ضمن "لـواء صيدا والجنوب" يوم الأربعاء بتاريخ 4 أيلول 1996 - صفحة 10، بعنوان: "عشية الإنتخابات النيابية في الجنوب... المرشّح د. إحسان عسيران يُتّهم بـ"التزوير والاحتيال".
بعد إجراء الانتخابات النيابية، وعدم فوز الدكتور إحسان عسيران بها (عن أحد المقعدين الشيعيين في قضاء صيدا - الزهراني الذي فاز به النائب علي عسيران)، اتخذ من نشر هذا الحكم ذريعة بأنّه سبب له خسارته الانتخابات النيابية، ورفع يافطات تحمل عليّ، ودعوى قضائية لدى "محكمة المطبوعات" في بيروت، ضدّي وضد جريدة "اللـواء" - حيث نُشِرَ الخبر - مُطالباً بعطل وضرر بقيمة 100 مليون ليرة لبنانية.
كان يترأس "محكمة المطبوعات" القاضي لبيب زوين، وكان يُمثلنا في "اللـواء" المحامي محمد علي التل، فيما كان محامي المُدعي عسيران، المحامي محمد شهاب، الذي تنحّى لاحقاً عن القضية، وكذلك كان حال المحامي محمد خليل الذي أوكلت إليه المهمة، قبل تنحيه أيضاً، خاصة بعد إطلاعهما على ملفات تمكنا من جمعها، تدين الدكتور إحسان عسيران، ونثبت فيها إدانته ببيع طفل إلى أم لم تلده، حيث صدر عن "محكمة جنايات لبنان الجنوبي" برئاسة القاضي سعيد ميرزا (مُدعي عام التمييز لاحقاً) وعضوية المُستشارين محمد بدران (رئيس ديوان المُحاسبة حالياً) وحافظ العيد، التي أصدرت حكمها بتاريخ 30 تموز 2002 وحمل القرار رقم 197/2002 وقضى بتجريم الدكتور إحسان عسيران، بمُقتضى جناية المادة 492/فقرة أولى من قانون العقوبات، وإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المُؤقتة به لمدّة ثلاث سنوات، وتخفيضها عملاً بالمادة 253 عقوبات إلى عقوبة الأشغال الشاقة المُؤقتة لمدة سنة ونصف السنة، على أنْ تُحسب له مُدّة توقيفه الاحتياطي، الذي تم بتاريخ 7 أيلول 2000، بعدما كان قد فر من لبنان، وعاد خلسة.
بفعل الإثباتات التي تقدمنا بها إلى "محكمة المطبوعات" أسقطت الدعوى المرفوعة ضدّي وضد جريدة "اللـواء"، وتم تغريم الدكتور إحسان عسيران كافة المصاريف.
رحل "المير" محمد شهاب، صاحب الابتسامة البشوشة، والمرجع القانوني، الذي ارتدى الثوب الأسود مُدافعاً عن المظلومين، حيث ارتدى محبوه الأسود حداداً، تاركاً إرثاً قانونياً ومقاصدياً وصيداوياً يُسجل له في مسيرته، وهي أوسمة، كما وسام الأرز الوطني من رتبة فارس ووسام نقابة المحامين اللذين نالهما.
وأمس (الجمعة) شُيِّع جثمان الراحل بمشاركة حاشدة من مسجد الشهداء في صيدا، بعد أن أم الصلاة على جثمانه مُفتي صور وأقضيتها الشيخ مدرار حبال، وصولا إلى "مقبرة صيدا الجديدة" في سيروب، حيث ووري الثرى.
العزاء إلى أرملة الراحل، ابنة الشمال رشا عدرة، وكريماته: المحامية مايا، المحامية ديمة ونورا، وأصهرته: الرئيس أدهم قانصو، أنيس طبارة والمحامي فراس الحسيني، ولكل محبيه الصبر والسلوان.
تغمد الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جنانه.

المصدر :اللواء