الثلاثاء 19 تشرين الثاني 2019 12:40 م

الأبعاد الجيو-سياسيّة لإشكاليّة «سدّ بسري»!


* د. نبيل خليفة

منذ فترة غير قصيرة والجدل قائم على الصعيدين الشعبي (المحلي) والرسمي (سياسة السدود) حول الجدوى من إنشاء سدّ بسري على الأولي بين قضائي الشوف وجزين بهدف تحويل مياه السد إلى بيروت وضواحيها. ويبدو للمتابع لهذا الموضوع أنه يتّخذ منحى تصعيديّاً وتحذيرياً ربّما يؤدّي إلى عواقب سلبيّة نظراً للهوّة الفاصلة بين السكان (المالكين للأرض والوادي والأشجار والآثار... وكلّ ما يشكّل البيئة الخلّابة، وما ستؤول إليه من خراب ودمار وأماكن جرداء.. وبين المصرّين على تنفيذ السد بدعم وتمويل من البنك الدولي. فهل في المبررات التي يقدّمها المسؤولون من جانب والمبررات التي يقدّمها الأهالي من جانب آخر ما يبرّر إشكالية بناء السدّ أو عدم بنائه؟

.. في اعتقادنا المتواضع أن لاشكالية سدّ بسري أبعاداً جيو-سياسية ترتبط بالاستراتيجية المائية لدول الشرق الأدنى وخاصة تلك المحيطة بلبنان وفي مقدّمها إسرائيل وسوريا.. وموضوع سدّ بسري يرتبط بهذه الاستراتيجيّة: كيف؟ ولماذا؟

1 – من الواضح أن لبنان بسبب طبيعته الجبليّة، يتلقى أعلى نسبة من المتساقطات المطريّة في دول الشرق الأدنى.

2 – ولكونه مصنّفاً دولة – حاجزاً (Etat-Tampon) بين إسرائيل وسوريا فإنّ مصادره المائية معرّضة للتجاذب والاستغلال من الدولتين:

إسرائيل: الليطاني والحاصباني.

سوريا: العاصي والنهر الكبير.

فالدولتان لديهما مطامع في مياه نهر إبراهيم لغزارتها وجودتها وموقعها الجبليّ:

- بحرياً لاستغلالها من المصب في المتوسط عبر الناقلات البحرية للمياه وبيعها لإسرائيل كما ذكرت الباحثة الفرنسية إليزابيت بيكار.

وبرياً بجرّها من المنبع على 1450 متراً (من أفقا) عبر البقاع لإرواء العاصمة السوريّة دمشق.

3 – أما لبنان فتعاني عاصمته بيروت وضواحيها من شحّ في المصادر المائيّة خاصّة وأنّ عدد السكان يزداد باضطراد والحاجة ماسّة إلى مصادر مائيّة جديدة. ومن الطبيعي أن يتجه الذهن إلى نهر إبراهيم للاستفادة من رصيده المائي واستغلاله في إرواء العاصمة والضواحي! وهنا تقع المشكلة وخلاصتها: استخدام مياه نهر إبراهيم بشكل إلزامي لخدمة لبنان وشعبه و«ضيوفه» وهو ما سيكون حتماً على حساب إسرائيل وسوريا كما بيّنّا أعلاه! إذن، ما العمل؟

4 – العمل لدى المخطّطين الاستراتيجيين الصهاينة والغربيين منذ منتصف القرن العشرين، هو إيجاد البديل لمياه نهر إبراهيم بتأمين مصدر مائي آخر يقوم مقام مياه نهر إبراهيم بإرواء بيروت وضواحيها. وهذا البديل هو بالضبط سدّ بسري إذ الهدف الأساسي منه المقصود والمعلن هو تزويد العاصمة بيروت وضواحيها بالمياه من مصادر أخرى، والإبقاء على رصيد نهر إبراهيم لزمن «الحشرة» في المستقبل! وهذا الرصيد هو بالضبط 508 ملايين متر مكعب كمعدّل تصريف سنويّ، لنهر إبراهيم وهي واحدة من أعلى النسب في المصادر المائية اللبنانية. ومن هنا الاهتمام الخاص الذي يبديه الجيران بها!

5 – ما نطرحه في هذا التحليل هو مجرّد رؤية مفتوحة للنقاش نلخّصها كما يلي:

أ - إن سدّ بسري هو فكرة أميركيّة للنقطة الرابعة تمّ طرحها عام 1951.

ب- إنّ الهدف منه كان ولا يزال «نقل مئة مليون متر مكعب من المياه إلى بيروت الكبرى»  خارج المعايير التي وضعت مؤخراً لاستراتيجية السدود (30 مليوناً كحدّ أعلى) وهو استثناء له معناه ومغزاه!

ج- جرت الاستعانة ببعض الأنهر والجداول والمجاري المائية في منطقة الجبل لتأمين هذه الكميّة وليست من مصدر واحد.

د – من المعروف أن محاولات تمّت بالقوة لمنع تحويل قسم من مياه نهر إبراهيم (نبع أفقا)،لإشغال الشبكة المائية من الجرد إلى الساحل وملء الخزانات التي أقيمت في المنطقة من العاقورة حتى العقيبة وهي لا تزال فارغة حتى الآن حفاظاً على مياه النهر وكي لا تكون للمواطنين حقوق مكتسبة عليه!

هـ – من الملفت أن البنك الدولي مصرّ منذ البداية الى اليوم، ورغم كل العراقيل على تمويل سدّ بسري. وهو التزام له معناه ومغزاه!

باختصار، ليس موضوع سدّ بسري مسألةً محليّة بل هو إشكاليّة واقعة ضمن استراتيجيّات إقليميّة لتوزيع المياه في الشرق الأدنى. لقد كنّا نرتاح حقاً لو أن الهدف الوحيد من السدّ هو تزويد بيروت وضواحيها بالمياه، فهذا هدف إنمائيّ نبيل، ولكنّنا بأسف نخشى الوجه الآخر لهذا المشروع.. فنأمل ونرجو أن نكون مخطئين!!

* باحث في الفكر الجيو-سياسي

المصدر : جنوبيات