على خطى نعيم عباس، يسير أحمد الأسير. سياسة إطالة أمد المحاكمة وإرجاء الجلسات، يتبعها إمام «مسجد بلال بن رباح» سابقاً بحذافيرها. فحلم التفاوض مع تنظيم «داعش» وإدراج أسماء عدد من الموقوفين غير المحكومين، بات يراود الكثيرين من الموقوفين. ويمكن رؤيته بالعين المجرّدة عند مثول نعيم عبّاس، وحالياً أحمد الأسير.
نعيم عباس قالها بالفم الملآن سابقاً. حتى اليوم، لم يتجرأ أحمد الأسير على قولها صراحةً، بل كانت استراتيجيّته تعتمد على «رفع العباءة». حينما سئل الشيخ عما إذا كان مستعدّاً للاستجواب، أمسك بطرف عباءته الرماديّة ورفعها إلى الأعلى، كاشفاً عن صدره لرئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن خليل إبراهيم، ومشيراً إلى النقص الكبير في وزنه الذي وصل إلى ستين كيلوغراما والتشقّقات في جسده، «وما تواخذني يا ريس الطبابة على حسابي كمان».
حسم الأسير النقاش بـ «جسده» مؤكّداً أنّه «غير مستعدّ للاستجواب لا نفسياً ولا جسدياً». لسان حال الأسير كان ربّما: إن لم تبادر «داعش» إلى التفاوض مع اللبنانيين، فليكن إطالة أمد المحاكمة طريقاً للخروج من الريحانية إلى سجن رومية.
وهكذا استطاعت رئاسة المحكمة العسكريّة أنّ ترفع عن كاهلها «تهمة» تعطيل الجلسات لتؤشر باليد عمّن يعطّلها، في ظلّ وجود أكثر من 30 موقوفا ممّن تتعطّل محاكمتهم بعد أن كانوا ينتظرون في آب الماضي (حينما تمّ إلقاء القبض على الأسير)، سماع الحكم الصّادر بحقهم.
لا يبدو هؤلاء محلّ اهتمامٍ من الأسير الذي لم تتغيّر نظرته الغاضبة حينما سمع المحامية زينة المصري تشير إلى غضبهم «فلهؤلاء عائلات وحقوق بأن يحاكموا ولا يقضوا عمرهم في السجن». لم يرفّ لصاحب معارك عبرا جفن، بل اكتفى بالإشارة إلى جسده النحيل.
هذا تماماً كان وضع وكيلي الدّفاع عن الأسير اللذين تذرّعا مرّة بالردّ على ردّ المحكمة بشأن الدفوع الشكليّة، ومرة بوضعه الصحي، ومرّة بملفّ التحقيقات مع الأسير في المديريّة العامّة للأمن العام، الذي يقول وكيلا الدّفاع عنه إنّهما ممنوعان من تصويره باعتباره سرياً، فيما يؤكّد العميد إبراهيم أنّه «سيفتح تحقيقاً في الموضوع، مع أني أستبعد هذا المنع خصوصاً أنّ لا قرار من قبلي بمنع المحامين من تصوير الملفّ».
لم يجد محاميا الأسير تعقيباً على هذه النّقطة، إذ لا طلب خطيّا مقدّم من قبلهما إلى قلم المحكمة، وبعد أن سأل إبراهيم محامي الأسير أنطوان نعمة عن سبب عدم مفاتحته بالأمر، وهو كان يتردّد إلى مكتبه عشرات المرّات خلال هذه الفترة «شأنك شأن كلّ المحامين لأنّني لا أقفل بابي في وجه أي محامي. ما يعني أنّ فتح هذا الموضوع الآن هو للإثارة الإعلاميّة ليس إلّا».
وبرغم ذلك، أبقى وكيلا الدّفاع عن الأسير على «صاعق» التحقيقات الأوليّة لكي يفجّرا «القرار القنبلة» بمقاطعتهما للجلسات في حال لم تتحقّق مطالبهما: لم يحصلا على نسخة من التحقيقات الأوّلية لدى الأمن العام، ومن دون نقل الأسير من سجن الريحانيّة «الذي ينتقص من حقوقه كسجين، فيما يسجن آخرون وهم يعاملون كما لو أنّهم في منازلهم (قاصدين ميشال سماحة بعد أن استفزّ الأسير السبت الماضي من إدخال إدارة السجن طعاماً جاهزاً إلى سماحة، فيما يمنع عليه الأمر، وفق ما روى المحامي محمّد صبلوح). ويضاف إليهما تحريك الإخبار الذي قدّمه الدفاع إلى النيابة العامّة عن الطّلقة الأولى على الجيش (في إشارة إلى «حزب الله») خلال معركة عبرا، «وما زال الإخبار ينام في الأدراج»، يقول صبلوح لـ»السفير».
كلّ هذه الشروط لم تكن كافية، وفق قناعة إبراهيم، لتعطيل المحاكمة، خصوصاً أنّ السببين المتعلقين بنقل الأسير إلى سجنٍ آخر وتحريك إخبار «الطلقة الأولى» لا شأن لـ «العسكريّة» بهما.
ولم يغيّر تلميح نعمة أيضاً بأنّ المحكمة العسكريّة لا تطبّق العدالة عندما قال «نريد ضمانات للعدالة»، فرد إبراهيم غاضباً على عكس عادته بأنّ «المحكمة ربّ العدالة والقوانين، وهي التي تطبّقها من دون أن تفتري على أحد، ونحن لا نوقّع على ضمانات»، قبل أن يتراجع نعمة عن كلامه ويشير إلى «أنّنا لا نشكّ بنزاهة المحكمة»، ليجدّد إبراهيم التأكيد أنّ المحكمة لا شأن لها بموضوع نقل الأسير من سجنٍ إلى آخر أو بوضعه الصحي.
الأسير في وادٍ
وهذا ما استدعى تدخّلاً من الجهة المعنيّة، أي ممثل النيابة العامّة الذي بدّد رغبات الدّفاع، حينما شدّد على أنّ «ملفّ الإخبار منفصل عن موضوع المحاكمة إجرائياً». وبشأن نقل الأسير، «فهذا موضوع تقني والقرار بيدنا، ولا يمكن لأحد ان يضغط علينا عبر التهديد بمقاطعة الجلسات، فعندما نقتنع بضرورة نقله سيتمّ نقله، وإن لم نقتنع فلن نفعل»، معرباً عن تحفّظ النيابة عمّا أثاره الدّفاع بشأن تمتّع بعض الموقوفين في الريحانيّة بالرفاهية، «ونحن سنقوم بالتحقيق للتأكد من صحة الموضوع».
وما زاد المشهد فجاجة، عندما ثارت ثائرة وكلاء الدّفاع عن الموقوفين في الملفّ نفسه. المحامية عليا شلحة، التي تعرف بأنّها واحدة من أبرز المحاميات ـ المراجع داخل «العسكريّة» تحدّثت عن «عدم قانونيّة تعمّد وكلاء الدّفاع عن الأسير تقديم الدّفوع الشكليّة على دفعات».
قطعت «الأستاذة» الشكّ باليقين، عندما قاطعت العميد إبراهيم وقالت: «هذه العمليّة اسمها مماطلة». هذا أيضاً كان رأي المحامية زينة المصري، أبرز وجوه «ملفّ عبرا» تحدّثت بلسان العديد من زملائها، مطالبةً بفصل ملفات المدّعى عليهم عن ملفّ الأسير، وهي تعلم أنّ طلب الفصل لن يتحوّل إلى حقيقة، خصوصاً بعدما عمدت هيئة المحكمة إلى فصل الملفّ إلى مجموعتين منذ أقلّ من 5 أشهر وصدرت الأحكام بحقّ المجموعة الأولى، ومع ذلك تحاول المصري أنّ تقدّم هذا الحلّ كـ «آخر خرطوشة».
في المقابل، يؤكّد محامي الأسير محمّد صبلوح أنّ الأمر ليس فيه مماطلة وإنّما «هي طلبات لتأمين حقوق الموقوف ولضمان حسن سير العدالة، خصوصاً أنّ وضعه الصحي يتدهور بشكلٍ خطير».
وعلى هذا المنوال، سارت الجلسة ليعمّ الهرج والمرج داخل قاعة «العسكريّة» لأكثر من نصف ساعة. نجح الأسير بالتعطيل، فيما كانت الكلمة الأخيرة للعميد إبراهيم الذي أرجأ الجلسة إلى 6 أيلول المقبل.