الاثنين 29 آذار 2021 20:51 م

بطاقة العزة.. خطة أمان - بقلم وفاء ناصر


* جنوبيات

 

البطاقة الجدل التي أربكت الرأي العام هي بمثابة مشروع أمان ليس فقط لتنظيم حزب الله او للطائفة الشيعية حصرا وإنما لكل اللبنانيين دون استثناء، وهذا ما أوضحه سماحته.

بعدما فشلت الادارة الاميركية في تركيع المقاومة وسلبها سلاحها سياسيا وعسكريا لجأت الى الحرب الاقتصادية وتضييق الخناق على البيئة الحاضنة بهدف تأليب الجمهور على المقاومة. غير ان حزب الله أعدّ العدة وجهز نفسه كما في كل معركة. وفي السادس عشر من حزيران الماضي طمأن امينه العام السيد حسن نصرالله الشعب اللبناني ووجه رسالة قاسية للمراهنين على تجويعه، وقال بالفم الملآن "لن نجوع ولن نسمح ان يجوع لبنان" و"من ينتظر تأليب بيئة المقاومة عليها سيفشل وعليه أن ييأس".

 يحق لكل مواطن لبناني من اي طائفة سواء انتمى لحزب معين او كان مستقلا ان يحصل على بطاقة السجاد اذا ما توافرت فيه الشروط الموضوعة لأجلها. والقرارات واضحة في هذا الشأن.

فما هي هذه البطاقة؟ ومن هي الفئات التي تشملها؟

قبل الحديث عن طبيعة البطاقة لا بد من الالتفات الى اسم البطاقة الذي يجمع بين البعدين الروحي والمادي. فالتسمية تعود الى اسم رابع أئمة الشيعة الإمام علي بن الإمام الحسين عليهما السلام الملقب بالسجاد، الذي عُرف بكرمه وسخائه ومساعدة الفقراء والضعفاء.

بطاقة السجاد هي بطاقة ممغنطة تحوي قيمة مالية تتراوح بين 300 و400 الف ليرة لبنانية تخوّل حاملها مرة واحدة شهريا شراء ما يلزمه من البضاعة اللبنانية المدعومة (التي لا يتجاوز عددها 25 صنفا) المتوفرة في مخازن خاصة، على ان يحصل على حسم عند الدفع بقيمة 30 %. هذه المخازن تحوي بضائع لبنانية وأخرى مستوردة ليس فقط من الجمهورية الإيرانية، عددها 9 تتوزع على الشكل التالي: مخزنان في البقاع، مخزنان في بيروت، مخزنان في النبطية، مخزن في الغازية وآخر في صور. وقريبا سيتم افتتاح مخزن آخر في السكسكية.

في إطار الحديث عن الفئات التي يحق لها الاستفادة من هذه البطاقة، لا يمكن تجنب ارتفاع الاسعار وانخفاض القدرة الشرائية لرواتب المواطنين اللبنانيين. ففي المراحل الأولى كانت البطاقة مخصصة للفقراء الشرعيين، المحتاجين، المنتسبين إلى التعاضد، الأفراد الذين ليس لديهم دخل شهري وذوي الدخل المحدود والموظفين الذين يتقاضون اقل من مليون ليرة. بعدها ونتيجة سوء الأوضاع لحظت الذين يتقاضون رواتب لا تزيد عن المليوني ليرة، إضافة إلى العسكر المتقاعدين حديثا.

إذا البطاقة هي حق كل لبناني تتوفر فيه هذه الشروط، ورقعة المستفيدين ليست ثابتة إذ ستشمل أفرادا آخرين قد تؤثر الضائقة المالية في عدم قدرتهم على الاستمرار في تأمين قوت يومهم واحتياجاتهم. وإن كان الفقراء الشرعيون اول من حظي بهذه البطاقة فمما لا شك به أنه ومع اكتمال المراحل العملية ستصبح بمتناول جميع من يطلبها.

هذه البطاقة لها صفة الاستمرارية وتجدد كل سنة. لا يتم تمويلها من تبرعات المجاهدين والمتفرغين في حزب الله بجزء من رواتبهم كما يظن البعض. وإنما من النسبة المدفوعة ثمنا للبضاعة التي تم شراؤها. فحين يشتري الزبون من المتجر يدفع سبعين بالمئة من قيمة السلع. والمبلغ المالي المتأتي منها يتم بواسطته شراء المزيد من السلع والبضائع لملء الرفوف بما يلزم.

اما الجزء الذي يتبرع به المجاهدون فيذهب إلى صندوق بلدتهم ليصار إلى توزيعه على الفقراء الشرعيين. 

حتى الان يبدو كل شي واضحا غير ان آلية الحصول على البطاقة كما يتم الحديث عنها تثير الامتعاض.

 يستثنى المنتسبون إلى التعاضد من تقديم الطلب فهم يحصلون تلقائيا على البطاقة، لكن ماذا عن الأفراد الآخرين الذين يخجلون من التواصل مع حامل ملف السجاد؟ ما الهدف من هذه العملية علما ان أبناء القرى والبلدات يعرفون بعضهم وكل ما يتعلق بتفاصيل حياتهم؟ ألا يعتبر هذا التصرف بمثابة إذلال مقنع؟

يصوّب احد المسؤولين عن ملف البطاقة، او كما يحب أن يطلق عليه "حامل ملف السجاد"، مسألة تعبئة الطلب ويشير إلى انهم  في البداية كانوا يقصدون منازل الفئات المستهدفة لتعبئة نموذج للحصول على معلومات تتعلق بالأسرة غير ان هذه الطريقة كانت تتطلب وقتا طويلا. لذلك ولكسب المزيد من الوقت تم الاستعاضة عن هذه الآلية والاكتفاء بالحصول على معلومات قليلة عبر الاتصال الهاتفي بالشخص مباشرة، تتضمن صورة عن الهوية (من الأمام والخلف)، الاسم الرباعي، اسم الام ورقم السجل. ويتم إرسال الملفات إلى بيروت.

 اما عن المدة الزمنية التي يحصل فيها الفرد على البطاقة فلا يمكن تحديدها نظرا لكثرة الطلبات. إذا فالتأخير يعزى الى الضغط الكبير.

 وفيما يتعلق بالذل الذي نشهده على الشاشات ونراه بأُم العين جراء التقاتل على سلع معينة، يلفت "حامل ملف السجاد" إلى أنه على الرغم من قدوم أعداد كبيرة من الزبائن الى المخازن الا انه لا تحدث مثل هذه الأمور. ويشير إلى أن المعنيين حريصون على حصول كل الزبائن على مبتغاهم.

كالعادة تتخطى المقاومة باستراتيجياتها وتكتيكاتها توقعات الحليف والخصم والصديق والعدو. وها هي معادلة الخبز مقابل السلاح تتلاشى أمام أعين الجميع. والحرب الاقتصادية التي كان الهدف منها زيادة الضغط على الحزب وبيئته لم تفشل فحسب بل كان لها مفعولا عكسيا.

ففي مقابل انهيار البلد صمدت مؤسسات الحزب. بقي محافظا على ثباته واستثمر قوته لإعانة ليس فقط المنتسبين إليه ولا الطائفة الشيعية فحسب وإنما كل مواطن لبناني. وبعدما نجح عسكريا وجعل من لبنان قوة اقليمية وقدم الدعم الصحي لوزارة الصحة ها هو الآن يلعب دورا مساعدا لوزارة الاقتصاد ان لم نقل بديلا.

مما لا شك فيه أن قرار التوجه شرقا الذي لطالما نادى به سماحته والذي لم تتجرأ الحكومة على تبنيه خوفا من العقوبات الاقتصادية، اينعت ثماره في مخازن معينة. ورغم تدني أسعارها قياسا بالسلع الأجنبية الأخرى التي يتم استيرادها بالدولار الا انها ترسم مستقبلا جديدا ساهم في بلورته صمود الحلف السياسي الإيراني الروسي السوري ومؤخرا الاتفاق التاريخي الإيراني الصيني.

هذا المستقبل الذي تبدأ ملامحه في استهلاك أصناف معينة سينعكس أثرها لاحقا على نمط المعيشة، حتما لن تنتهي ببروز رأسماليين جدد اقتنصوا الازمة وتسلقوها.

المصدر :جنوبيات