السبت 17 نيسان 2021 04:18 ص |
التعليم عن بُعد كتقنية علاجية للطالب الخجول |
* سلام محمد الصغير* تعددت المصطلحات والأوصاف التي استخدمت في الدراسات النفسية والتربوية لوصف مفهوم الانسحاب الاجتماعي، ومن أهمها: العزلة الاجتماعية، والانطواء على الذات، والخجل. فلقد عرّف معجم علم النفس الانسحاب الاجتماعي بأنه: نمط من السلوك، يتميّز عادة بإبعاد الفرد عن نفسه، وعن القيام بمهمات الحياة العادية، ويرافق ذلك إحباط وتوتر وخيبة أمل. من مظاهر الانسحاب الإجتماعي نذكر: - العزلة. - انشغال البال. - تجنّب المبادرة إلى التحدث مع الآخرين وعدم الارتياح لمخالطتهم والخوف من التعامل معهم. - الخوف من العقاب. - عدم الوعي للذات وإدراكها. - البطء والتلعثم في الكلام. - الشعور بالدونية. والطالب المنسحب كثيرا ما يتم وصفه من قبل المعلمين بأنه طالب غير قادر على التواصل، وأنه خجول وحزين، وعادة ما يفشل في المشاركة في الأنشطة المدرسية، وفي تكوين علاقات مع الآخرين. فكيف أثّر «التعليم عن بُعد» إيجاباً على هؤلاء؟ إنّ الظروف الراهنة التي تمرُّ بها البلاد فرضت على المدارس استخدام تقنية التعليم عن بُعد عبر المنصات الإلكترونية فأصبحت عملية تواصل الطالب مع المعلم فقط من خلال جهاز صغير أصبح بمثابة ستار يختبئ وراءه الطالب الخجول ويظهر مواهبه وقدراته الفكرية ومشاركته غير المسبوقة، ذلك لأنه يعلم أنه ما من أحد يشاهده وما من نظرات موجهة نحوه أثناء تحدّثه، غير ذلك نذكر أن أكثر ما قد يربك الطالب الخجول ويحاول الهروب منه هو اتصال العيون «eye-contact» ونذكر انه إذا ما طرح المعلم على الطالب الخجول أي سؤال أربكه وهو يحدق به أمام الجميع قد يشعر بالأعراض التالية: - ارتباك.
- اضطرابات في النظر وأحيانا رؤية هالات سوداء. - شعور بالغثيان وأحياناً الإغماء. ومما جعل من عملية التعليم عن بُعد تؤثر إيجايا أكثر على الطالب الخجول شعوره بالارتياح وانه معفى من أي تعليق مزعج قد يوجهه له رفاقه أثناء تحدثه نظراً لأن المعلم يمكنه أن يضع الجميع في وضعية الصمت «mute all participant» ومن يريد التحدث فعليه أن يرفع يده بطريقة افتراضية «raise my hand» لأنه من المعروف ان الطالب الخجول يعاني من عدم الثقة بالذات وأنّه يتجنّب إنتقادات الآخر ويخشى دائما أن يسخر منه أحد خصوصاً إذا كان ينقصه الرضا الكافي عن مظهره ونبرة صوته أو طريقة كلامه. أما بالنسبة لطرق التقييم فباتت أيضاً مختلفة وتناسب الطالب الخجول لأنّ كل طالب لديه الإمكانية المطلقة للتأكد من المعلومة قبل الإجابة على أسئلة التقييم مما يتيح للطالب الخجول أن يكون متأكداً أكثر من معلوماته ويجيب بكل ثقة دون أي إرتباك أو تردد لأنّه في السابق أي أثناء التعليم الحضوري كان يشكك بمعلوماته ويتردد في الإجابة ودائماً ما يضع احتمالاً انها ستكون خاطئة وأنّه سيُوَبَّخ.. { كيف يمكن للمعلم استغلال فرصة التعليم عن بُعد كعلاج أولي لمشكلة الانسحاب الاجتماعي ومساعدة الطالب الخجول على الانخراط في البيئة الصفية قبيل العودة الى التعليم حضورياً؟ ١- يمكن للمعلم أن يخصص دقائق عدّة من الحصة لفتح الكاميرات وتبادل التحيات بينه وبين الطلاب ومحاورتهم قليلاً في أي موضوع مع توجيه الحديث من حين لآخر للطالب الخجول. ٢- تشجيع الطالب الخجول على توكيد ذاته وتعزيز ثقته بنفسه من خلال مدحه أمام الطلاب والتحدث مثلا عما حققه من نجاحات أو عن حسن تقديمه للواجبات للمدرسية التي كانت مطلوبة منه بهدف التقييم. ٣- الطلب إليه أن يعرض أي بحث أو دراسة قد قام بها وقدّمها للمعلم ونالت إعجابه مع إبقاء الكاميرات مفتوحة. ٤- بعد العودة الى التعليم الحضوري يمكن للمعلم أن يطلب من الطالب الخجول أن يعيد داخل الصف ما كان قد قدّمه خلال فترة التعلم عن بُعد ونال اعجابه مع تكرار عبارات تشجيعية على مسمعه مثل: (ما قدّمته كان رائعاً ونحن نرغب بالاستماع إليك مرة أخرى). ٥- الاستفادة من تقنية لعب الأدوار مثلا يمكن أن يطلب المعلم من الطالب الخجول أن يلعب دوره مع مجموعة من الطلاب ويكون المعلم ضمن المجموعة كطالب، وموضوع اللعبة يمكن أن يكون تجسيد عملية التعلم عن بٌعد وتمثيلها داخل الصف بكل تفاصيلها حتى مع المشاكل التي كانت تحدث بسبب ضعف الانترنت. وهنا يتدرب تدريجياً على مخاطبة الجميع بالعبارات التالية: «مرحبا جميعاً»، «هل تسمعونني»، «الانترنت ضعيف»، «انقطع التيار الكهربائي».. بالإضافة انه سيبدأ أيضا بتوجيه الكلام الى الطلاب وطرح الأسئلة عليهم (يكون قد سبق وقام بتحضيرها بمساعدة المعلم). على المعلم أن يكون متنبّهاً جدّاً ويتجنّب الضغط على الطالب الخجول ويمتنع تماما عن تركيز انتباهه عليه طوال الوقت داخل الصف وعليه أيضاً تطبيق الإرشادات المذكورة أعلاه من حين لآخر وليس في أسبوع واحد، ونشدد أيضاً على تجنّب المعلم إستخدام العبارات التالية مع الطالب الخجول: «أثناء التعليم عبر المنصة كنت أكثر جرأة ما الذي حدث الآن»، «أنت جدّا خجول»، «هل عدت خجولاً مثل السابق»، «قمْ وتحدّث إلينا كما كنت تفعل عبر المنصة».. إنّ علاج مشكلة الانسحاب الاجتماعي والخجل يكون أكثر سهولة إذا ما اعتمد على التدعيم لأن أساسه يرتكز على عدم الثقة، لذا فإنّ الإلحاح وتركيز الانتباه فقط على الطالب الخجول طوال الوقت يزيد من تفاقم المشكلة ولا يحلّها، ومع كل ما ذكرناه من إيجابيات نتجت عن عملية التعليم عن بُعد فإنّ التخفّي لم ولن يكون حلّاً بل سبيل لكسر الجليد بين الطالب الخجول والبيئة الصفية الواقعية وليس الافتراضية.
*أخصائية نفسية
المصدر :اللواء |