الاثنين 18 تموز 2016 11:51 ص

هكذا مرّت ساعات الخوف والهلع في مطار أتاتورك


* جنى جبور

رحلة غير عادية، جمعت مسافرين من مختلف البلدان، في مطار أتاتورك في اسطنبول. إذ ما إن وصلوا اليه حتى كان الحدث غير المتوقع الذي احتجزهم لساعات طويلة، وجمع بينهم هاجس الموت على رغم الاختلاف.لوّنت الدماء أرض المطار، والصراخ والهلع والركض تَسيّد الموقف. وخلا المطار من الموظفين، وأُلغيت الرحلات، وراح الجميع يبحثون عن مكان آمن للإختباء فيه. حال من الفوضى عمّت أرجاء هذا المرفق الجوي من داخل وخارج، ليتبيّن انّها نتاج محاولة انقلاب عسكرية تجري في تركيا. وليبدأ المسافرون البحث عن سُبل للنجاة والهروب من هذه الفوضى.

هذا ليس فيلم «أكشن»، ولا فيلم رعب، إنه قصة حقيقية عاشها كل من وطأت قدماه مطار أتاتورك يوم الجمعة الماضي.

«ما في شي هون»

زينا فرح الهاشم احدى اللواتي عايَشن هذه المأساة، رَوت لـ«الجمهورية» المعاناة منذ وصول طائرتها من السويد الى تركيا لتغادر بعدها الى وطنها لبنان، فقالت: «تأخرت طائرتنا ساعة للانطلاق من السويد الى إسطنبول، ففرحنا لأنّ ذلك يعني اننا سننتظر ساعتين بَدل ثلاث في مطار اتاتورك قبل الانطلاق الى لبنان. لم نكن نعلم أننا سنبقى 3 ايام هناك.

عند وصولي بدأ أهلي واصدقائي في لبنان والسويد يتصلون بي للإطمئنان، ما أثار استغرابي لأنني لم اكن أعلم انّ شيئاً سيحدث هناك، وحالي كانت كحال جميع الموجودين في المطار، فكنت أجيب: «لا، لا، ما في شي هون»، الى أن لاحظتُ على شاشات الاقلاع والهبوط أنّ كل الرحلات قد ألغيت».

حامل في البرّاد!

وتضيف زينا بصوت يختنق: «فجأة، بدأ الجميع بالركض في كل أنحاء المطار، فركضتُ معهم من دون ان اعرف الى اين أتجه ولماذا اركض، ووصلت مع مجموعة الى مكان مغلق بالزجاج، فحاول أحدهم كسره للخروج منه.

 

وساد المطار كرّ وفرّ، فما عدتُ أرى سوى الدماء أرضاً من جرّاء تصادم الناس بعضهم ببعض، وشاهدتُ امراة حاملاً تسقط ارضاً، لِتَركلها أرجل الراكضين خوفاً في المكان، قبل ان يتمكن زوجها من انتشالها ونقلها الى «برّاد»، كَسر بابه وأركنها فيه ظنّاً منه انه مكان آمن ولا يخترقه الرصاص، ناهيك عن الأشخاص الذين انبطحوا ارضاً أو الذين اختبأوا تحت الطاولات والكراسي. فيما تعالى النحيب وبكاء الاطفال في كل زوايا مباني المطار… في انتظار ساعة موتنا».

اللبنانيون قلباً وقالباً

وتضيف: «بعد قليل ساد هدوء بعد الهلع الذي أصاب الجميع الذين لم تعرف أكثريتهم سبب كل ما حصل، وانتشرت إشاعة مفادها انّ بعض المتظاهرين اقتحموا المطار وسيطلقون الرصاص على المسافرين تزامناً مع الرصاص الذي سمع خارج المطار، ليهدأ بعدها الوضع قبل أن يتكرر المشهد نفسه مجدداً بعد قليل».

يزدحم الخوف في حنجرة زينا وتُكمل: «لم نكن نعلم ماذا يجري سوى من اهلنا او الاصدقاء الذين كانوا ينقلون لنا الاجواء، وبينما كنت اتواصل مع زوجي طلب مني شراء غذاء أتناوله، لئلا يتعذّر ذلك عليّ لاحقاً، بسبب الفوضى التي عَمّت المطار، وغادر الموظفون جميعاً».

وتضيف: «عاد الهدوء على وقع معلومات تفيد أنّ طائرة الرئيس أردوغان تقلع او تهبط في المطار. وما هي الّا لحظات حتى خرق الهدوء دوي انفجار هزّ زجاج المكان فرُحنا نبحث مجدداً عن مكان آمن يَقينا سقوط اي شيء على رؤوسنا.

ولكن على رغم كل هذه المعمعة، طرأ مشهد جميل هدّأ قليلاً من روعنا، لأنّ جميع اللبنانيين اجتمعوا قلباً واحداً بعضهم مع بعض يتبادلون المساعدة ويخفّفون عنهم وطأة المعاناة».

وتتابع: «الى ذلك، وبعد مرور ساعات الليل ثقيلة وبطيئة، افترشَ المسافرون الارض والكراسي، ليرتاحوا قليلاً، وليلاحظوا لاحقاً قدوم عدد من الموّظفين. وعلى رغم ذلك، ظلت المعاناة مستمرة».

وتقول زينا: «طلب الموظفون منّا أن نجدد حجزنا وان نتّجه الى قاعة «الوصول» لهذا الغرض، ولكننا لم نجد اي موظف هناك. في وقت، لم يعاملنا الموظفون الاتراك معاملة حسنة، فكانوا غير متعاونين نهائياً ولا يجيبون عن أيّ سؤال او استفسار».

«لا تنسيق، لا تنظيم، لا احترام لحقوق الناس، لا شيء سوى الفوضى». تُكمل زينا، قائلة: «كان هناك موظفان فقط لتجديد الحجوزات، أمامهما طوابير تضمّ مئات المسافرين، وكان يأتي اليهم من حين الى آخر موظف يقول لهم: «تعالوا فهناك موظف سيساعدكم، لنذهب ونكتشف ان لا احد هناك او انّ هناك طابوراً اطول ممّا كنّا فيه».

دعم معنوي

بعد اتصالات، وصل القنصل اللبناني في إسطنبول يرافقه موظف من شركة طيران الشرق الاوسط (الميدل إيست) الى المطار، وتقول زينا: «شعرنا في البداية انّ المساعدة وصلت، لنكتشف بعدها أنّه لم يقدم لنا سوى الدعم المعنوي قائلاً: «ليس لنا سلطة على الطيران التركي، في وقت رأينا رجلاً ينادي المسافرين الاوستراليين ويجمعهم ويغادر بهم، لنعلم انه تمّ تأمين طائرة تقلّهم، والأمر نفسه توافَرَ للمسافرين الفرنسيين».

وكان اللبنانيون العالقون في المطار إتصلوا بالسفارة اللبنانية في أنقرة طالبين المساعدة، فكان الجواب «وضعكم في المطار أفضل من الوضع في محيط السفارة». كذلك أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بياناً أكدت فيه انها تجري الاتصالات والمساعي «بهدف إعادتهم بأمان وسلامة إلى لبنان بالسرعة المرجوّة». لكنّ هذا البيان لم يصل الى مسامع كثيرين منهم.

 

طوابير وطوابير

الى ذلك، تقول زينا: «وقفنا 5 ساعات في طابور لا ينتهي، وبعد ان تكمنتُ من الحجز كان موعد رحلتي نحو الساعة 1,45 صباحاً، ليقولوا لي «لا يمكنك السفر لأن لا مقاعد فارغة في الطائرة».

وكان هناك شاب لبناني قد غاب عن حفلة «توديع عزوبيته» في الطائرة نفسها، فصرخ بالموظف:

«أعلم انّ هناك مقاعد وسنسافر في هذه الطائرة وإلّا اشتكيتُ عليكم». وفعلاً حصل ما طلبه ولكن تأخرت الرحلة 40 دقيقة عن موعدها فلم أتمكن من السيطرة على دموعي، إذ تخوّفتُ من ان تُلغى مثلما حصل لطائرة كانت متّجهة الى عمان».

لم تنتهِ معاناة زينا هنا، وتروي: «قبل التوجّه الى الطائرة، قُسّمنا الى مجموعات، ولاحظنا قدوم شخصين تركيين يرافقهما شاب لبناني سرعان ما بدأ يصرخ بنا طالباً منّا الوقوف صفاً واحداً، قائلاً: «بَدّي شوف راس واحد وإلّا بتتأخَّر الطيّارَه 40 دقيقة إضافِيّه». الى ذلك، وصلتُ الى لبنان وكنتُ من أوائل الذين خرجوا من الامن العام، فتوجّهتُ لأخذ حقائبي فقال لي المسؤول هناك «إنتي كنتي بسَفرَه مْبارِح؟».

إذ انه لم يكن من الصعب معرفة انني كنتُ بين الذين احتُجِزوا في مطار أتاتورك بسبب لوني الاصفر الشاحب وحالتي التي يرثى لها. بعدها قال لي: «هناك بعض الحقائب على الارض، ألقي نظرة عليها، لعلّ حقيبتك بينها، واذا لم تكن فانتظري لتصِل».

نهاية المأساة

كانت حقيبة زينا على الارض، فخرجت بها وسط جو هادىء في مطار بيروت، لتنهار بين يدي زوجها وأخيها اللذين كانا في انتظارها.

… إنتهت المأساة على خير… لكن كان يُفترض بالجهات اللبنانية المختصة أن تشكّل خلية أزمة لتأمين مغادرة رعاياها مطار أتاتورك، وأن تتواصل مع اصحاب النفوذ هناك، مثلما فعل الاميركيون او الاوروبيون، لكنها اكتفت بإرسال قنصلها الى المطار وبيان وزارة الخارجية والمغتربين، الأمر الذي لم يُسمِن ولم يُغن من جوع ، ما حَدا ببعض هؤلاء الذي احتجزوا في مطار أتاتورك الى التعليق على بيان الخارجية اللبنانية، قائلين: «انقَعوه واشرَبو مَيّتو».

المصدر :الجمهورية