بصلابة أجسادهم وثبات عقيدتهم يواجه الفلسطينيون عموما والمقدسيون خصوصا شراسة العدو الغاصب ونيرانه الحاقدة. يواجهون عدوا يُمعن في التنكيل بهم على مرأى اخوة يتغنون بالتطبيع معه، يشهدون على تدنيسه حرمة اماكنه الدينية بعدما امتهن سحل ناسِه وتجريدهم من حرياتهم وحقوقهم الشخصية والاجتماعية والسياسية... وللاسف يكتفون زورا ببيانات لا تقدم ولا تؤخر كون الخيانة باتت واضحة وضوح الشمس.
يتوارث الفلسطينيون قضيتهم من جيل إلى آخر صابرين على الاعتداءات الجمة التي يتعرضون لها. تنقش الشهادة على صدورهم منذ الولادة ويسلكون درب الجلجلة في كل يوم يُكتب لهم. عدوهم وقح وعنيف، يسفك الدماء ببرودة أعصاب متسلحا بأعتدة عسكرية متطورة لولاها لفرّ مرعوبا من قلم حنظلة وهتافات الشباب التي تصدح من حناجر صادقة لم تمل يوما من تجديد المطالبة بحقها ورفضها الخنوع متسلحة بالايمان وعبارة "الله اكبر" في مواجهة الطغيان والاستبداد.
لم تهدأ انتفاضة يوم القدس العالمي منذ تأسيسها، أربعة عقود من الزمن ولا يزال النضال مستمرا، كيف لا والقدس قضية أحرار العالم وبوصلتهم الوحيدة.
والاتفاق الماكر الذي زرع الخلية السرطانية في المشرق العربي وسخّر الأدوات والوسائل لتقبّلها وعبّد الطريق لانتشارها، في ظل تواطؤ عربي، غاب عنه أن اهل الدار متشبثون بها وهم اكثر تمسكا من ذي قبل بمفتاح العودة لان القدس باتت اقرب.
لا تنفك الاشتباكات تتجدد بين المقدسيين والمستوطنين الوقحين، وإن كانت الدفة تميل إلى قوة السلاح، فلإرادة الصمود وقعها أيضا.
إذ لولا الإرادة لما استمرت القضية ولولا المطالبة بالحق والنضال لاسترجاعه لما توجهت أنظار العالم إلى هذه البقعة الجغرافية لتؤكد أن العاصمة التاريخية لفلسطين المحتلة هي القدس. واي محاولة لتهويدها وتحريف حقيقتها هو تجنٍ فاضح على تاريخ لن يرحمهم بدوره. واكذوبة حائط المبكى المتبقي من آثار الهيكل كما يدّعون، ما هي إلا بدعة ساذجة انتهجوها لتبرير وجودهم منذ ما قبل الاتفاق المشؤوم. بَيْد ان حائط البُراق الذي يحيط بالمسجد الأقصى المبارك يدحض حججهم الواهية ويؤكد ملكية هذه الارض الطاهرة القدسية للفلسطينيين وينفي اي وجود لهم حينها.
هذه الارض المنزهة، زهرة المدائن، التي يحج إليها المسلمون والمسيحيون على حد سواء، ويصلون اليها كل يوم، دليل حي وصادق على الرسالة السماوية الحقة التي ترجمها المقدسيون في الدفاع عن المسجد الأقصى أولى القبلتين وكنيسة القيامة دون تفرقة. فالقدس طاهرة وشعبها واع والقضية حتما مستمرة.
والخلاصة التي حفظها الفلسطينيون عن ظهر قلب انه مع هكذا عدو غاصب لا تنفع المفاوضات ولا المهادنة وإنما الكلمة الفصل للسلاح والمقاومة والاقلام الابية التي تسطر التاريخ الحديث وتؤسس لمستقبل جديد. فمهما انحنت الأجساد تحت وطأة ترسانة العدو الجامدة لن تتكسر الاقلام وستكتب بحبر النجيع حكاية النصر وبطولات العارجين إلى السماء.
مما لا شك فيه أن الدعم مطلوب للاستمرار بالنضال، سواء أكان ماديا او معنويا، مالا وسلاحا، خططا ومعلومات او حتى اعتراف علني بهوية القدس وحق الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم وعودة المهجرين منها اليها...
وفي هذا الإطار لا بد من التطرق إلى دور الجامعة العربية التي اتخذت من محاربة العدو الإسرائيلي هدفا من أهدافها... وهنا الطامة الكبرى فبدل نصرة الشعب الفلسطيني وقضيته غلّبت بعض دول الجامعة مصالحها "الاستراتيجية" الآنية الفاشلة وكانت شاهدا مبارِكا وداعما لكل ما يتعرض له هذا الشعب. حتى انها مؤخرا نزعت عنها ستار الحياء وأخذت تتسابق في اعلان التطبيع، فأضحت شريكا في إبادة الفلسطيني بدل ان تكون سندا له يتكئ عليها حينما يهوى.
غير ان الحقيقة الثابتة، انه مهما تخاذل المجتمع الدولي والجمعيات الحقوقية بضغط من الإمبريالية الأميركية والحركة الصهيونية الماسونية ومهما استمر العدو في طغيانه، يبقى للقدس ولفلسطين رجالها ونسائها وأطفالها وأحرار العالم.