الثلاثاء 19 تموز 2016 11:03 ص

عقبات واقعية سياسية ونفطية أعادت ملف النفط إلى الثلاجة


هل جمٰد ملف التنقيب عن النفط والغاز، بعد اندفاعته الاخيرة، أم أنه يخضع لمزيد من الإنضاج؟ هذا السؤال يطرح اليوم بعد الكلام الاخير لرئيس الحكومة تمام سلام الذي صنٰفه بـ"الملف الوطني" و"الثروة الطبيعية التي تحتاج الى جهوزية ماليّة وفنّية وتجارية وإدارية كبيرة لاستثمارها برؤية واضحة غير مجتزَأة". ولم يدعُ سلام كما كان متوقٰعاً، اللجنة الوزارية التي شكّلتها حكومته لهذا الملف. وتشير مصادر وزارية الى أن هذه اللجنة التي تضم الوزراء المعنيين وممثلين عن المكونات الحكومية، باتت مبتورة مع استقالة وزيرين من أعضائها هما ممثل حزب الكتائب وزير الاقتصاد والتجارة ألان حكيم، ووزير العدل أشرف ريفي.
وتتوقٰع المصادر الوزارية أن يكون هذا أحد أسباب تريٰث رئيس الحكومة في دعوة اللجنة، إضافة الى أن عطلة الاعياد لم تتح له درس الملف في شكل معمٰق كيلا تكون انطلاقته خطوة ناقصة تضعه في مرمى نيران القوى السياسية المعترضة على تحريك ملف بهذا الحجم، باتفاقات ثنائية أو ثلاثية مجتزأة".
واعتبر عضو اللجنة الوزير المستقيل حكيم في اتصال لـ"النهار" أن "اللجنة الوزارية المكلفة ملف النفط هي لجنة غير صالحة لاتخاذ القرارات، ورئيس الحكومة تراجع بعدما رأى ان لديه مشكلة في "اتفاق ثنائي" عليه اعتراضات وتحفظات من مروحة واسعة من قوى سياسية أخرى لا علم لديها بالملف على أهميته". وسأل حكيم: "لماذا الاستعجال في إقرار مرسوميْ العقود وشروط العقود وتقسيم البلوكات، إذا كان قانونا الصندوق السيادي والضرائب على الشركات لم يتم إقرارهما بعد؟ كيف نلزٰم من دون خطط ولا رؤية واضحة ونحن في حالة اهتراء مؤسساتي لا سابق لها؟ وأين نحن اليوم من دور المؤسسات الرقابية إذا كانت صرخة رئيس مجلس شورى الدولة علت أخيراً بسبب تجاوز القوانين والقرارات القضائية ولا من يجيب، فمن سيراقب استثمار ثروة نفطية؟ وكيف؟ إننا نؤيد تريٰث رئيس الحكومة".
وفيما يتساءل بعض المواكبين للملف عما اذا كان لتحركات خارجية قام بها بعض المسؤولين اخيرا تأثير بعدما تحرّك الملف فجأة وكأنه بدفع أميركي- روسي حمل معه ضوءاً أخضر من إيران واستبعدت جهات اخرى ، تستبعد مصادر سياسية قريبة من اتفاق عين التينة هذه الفرضية، بل تؤكد أن ملف النفط انطلق ولن يتوقٰف، مشيرة الى أن رئيس الحكومة كان على علم مسبق باللقاء الذي جمع رئيس المجلس نبيه بري مع وزير الخارجية جبران باسيل في حضور وزير المال علي حسن خليل، وهو جاء بناءً على طلبه، وتمّ إطلاعه على أدقٰ التفاصيل المحيطة به. وتشير المصادر نفسها الى أن الاتفاق تمّ على عرض خمسة بلوكات، على أن يطرح للتلزيم البلوك الذي يحظى بعرض. ولن تتقدم الشركات ما لم تلمس جدية وجاهزية من الحكومة التي عليها أن تقرٰ مرسوميْ النفط والقانون الضريبي، ولا سيما أن سعر دفتر الشروط لا يستهان به، وهو عشرة ملايين دولار اميركي لكل شركة متقدّمة.
في المقابل، تشير مصادر أخرى مواكبة للملف الى أن الشركات العالمية لم تظهر حتى الآن أي حماسة للاستثمار في الحفر والتنقيب، إما لأن البلوكات ٨ و٩ و١٠ تقع في منطقة متنازع عليها، وإما لأن الحفر مكلف في البلوك ٤ في منطقة البترون والشمال، وكلفة كل بئر حوالى ٣٥٠ مليون دولار، فيما احتمال التسويق ليس أكيداً. وتشير هذه المصادر الى أن الحفر تحت الألف متر مكلف للشركات، لذلك أوقفت شركة "نوبل إنيرجي" الاميركية عملها في قبرص، وكذلك فعلت شركة "توتال" الفرنسية، فتوقٰف العمل في ثلاث آبار في قبرص بعدما تبيٰن أن كلفة حفر كل بئر هي ٣٥٠ مليون دولار، والاسعار العالمية في تراجع.
وترتكز هذه المصادر في خلاصتها على دراسات علمية تخالف التمنيات السياسية النفطية. ويختصر الخبير سامي عطاالله المدير في "المركز اللبناني للدراسات السياسية" واقع هذا الملف بـ"أن تعامل الحكومة معه غير شفاف وغير مسؤول. ففي التنقيب، أضاع لبنان فرصة مهمة بسبب التأخر في إصدار المراسيم لأسباب غير مقنعة، ثم إعادة فتح الملف لأسباب بقيت غير واضحة. كما بقي سبب تأليف لجنة وزارية رديفة لهيئة إدارة قطاع البترول مبهماً للجميع. وكل ذلك ساهم في إثارة شكوك وعدم ارتياح لدى شركات النفط العالمية المهتمة بالقطاع اللبناني الناشئ".
وعرض عطاالله الأسباب الخارجية للتخوف من ضياع فرصة النفط على لبنان، من "تراجع أسعار النفط عالمياً الى الاكتشافات الأخيرة في اسرائيل ومصر التي يرجٰح أن تسبق لبنان في التصدير إلى الأسواق الخارجية".
ورغم ذلك، رأى أن على لبنان تعزيز المؤسسات المعنية بالملف في شكل مباشر أو غير مباشر لتأمين رؤية واضحة وشفافية ومساءلة على امتداد مراحل إدارة الملف، من التنقيب إلى الاستخراج فالإنتاج".

- هدى شديد

المصدر :النهار