الثلاثاء 11 أيار 2021 22:17 م

بسمة قوة وبسمة عجز - في منشور للوزير غازي العريضي


* جنوبيات

فلسطين مجدداً :القضية التي تفرض نفسها أمام العالم . لا تغيب . لا تسقط . لا تموت . تضع الجميع أمام مسؤولياتهم والتزاماتهم الكلامية . هي امتحان صدقيتهم في خياراتهم ومواقفهم وقراراتهم التي لا قيمة لها إذا لم تتجسّد أفعالاً تترجِم أقوالاً حول قواعد الأمم المتحدة ، وحقوق الانسان ، ورفض العنصرية والتطهير العرقي والإرهاب . وهي الممارسات التي تبدع اسرائيل في تطبيقها ضد الشعب الفلسطيني .

" مسيرة أورشليم " ،مسيرة المستوطنين في ذكرى توحيد القدس التي احتلت عام 67 ، هي محطة في مسيرة التهويد الطويلة المستمرة . يوم أمس أفشلها المقدسيون ، وفرض الفلسطينيون على المشاركين فيها الهرب ، بمجرد سماع صفارات الإنذار ، كما فرضوا على الكنيست وقف أعماله ونقل أعضائه الى أماكن آمنة !! ولجأ المحتلون الى الملاجئ وبقيت المواجهات في الساحات ، بين محاولي اغتصاب المسجد الأقصى والمدافعين عنه . استخدم العدو كل أسلحته . ووسائل بطشه وإرهابه . الفلسطينيون قاوموا في القدس بالحجارة والكراسي والسواعد وواجهوا الرصاص بصدورهم . الحدث الفلسطيني أمس وبعد تبادل القصف الصاروخي والمدفعي ، هزّ العالم ، استنفر الجميع . هنا " حارس الأسوار " وهناك " فارس مغوار" . هنا حارس يحرس أسوار الحقد والكراهية والإرهاب والعنصرية وسجون التعذيب والاعتقال . وهناك فارس مصرّ على دكّها وفكّها وكسرها واختراقها . هنا حماية الأسوار . وهناك حكاية الثوار الأحرار . هنا مسيرة الاحتفال بإقامة الأسوار من باب العامود الى الأقصى . وهناك مسيرة الصغار والكبار وحملة مشاعل الأنوار ، وصور وأمانات الشهداء الأبرار .
أمس فرض الفلسطينيون كلمتهم رغم كل التضحيات وعدد الشهداء من القادة والكبار والأطفال . فرضوا على اسرائيل وقف مناورتها غير المسبوقة ، وتغيير وجهة الرحلات من مطار بن غوريون الى أمكنة أخرى ، ووقف " مسيرة أورشليم " ، وتأجيل النظر في قرار المحكمة مدة شهر فيما يتعلق بالمنازل المطلوب إخلاءها في حي الشيخ جراّح . رشقات صواريخ طالت أمكنة كثيرة . صحيح ليس التصويب بدقة التصويب الاسرائيلي وقدراته وإمكاناته لكنه دبّ الرعب في نفوس المحتلين . أمس كانت فلسطين الخبر الأول عالمياً . الأمم المتحدة وكل دول العالم تقريباً استنكرت ما يجري ودعت الى احترام القوانين الدولية . أميركـــا أسفت لما جـــرى في اليومين الأولين ثم استنكرت قصف " حماس " بالصواريخ . وليست بحاجة الى تذكيرها أن القصف سببه ما جرى في اليومين الأولين وما كان يجري طيلة يوم أمس ولم تفعل أميركا شيئاً. ألا يحق لنا أن نطالبها هنا بالتزامها بقواعد الأمم المتحدة التي طالب أمينها العام اسرائيل بوقف كل ممارساتها في الشيخ جراّح والأقصى قبل أن تتدهور الأمور الى مواجهات الأمس ؟؟
واستقواء بالأميركي قال إيلي كوهين وزير الاستخبارات : " هذه بلادنا . ملك لنا . ليست بحاجة الى توجيهات من أحد . اسرائيل تتصرف بمسؤولية وتسمح بحرية العبادة لكننا نتخذ إجراءات ضد من يخالف الأمر !! وهناك من يحرّض على النار .هم عناصر ليسوا من الضفة ولكن في غزة . عناصر في الجهاد وحماس وبتمويل إيراني " !!
حرية عبادة . لكن مرفوضة مخالفة الأمر . ما هو الأمر ؟؟ لا تصلّ في المسجد الأقصى إلا عندما نسمح لك ؟؟ ولا تدخل الى كنيسة القيامة إلا بإذن ؟؟ ولا تحتفل بسبت النور إلا بإذن ؟؟ هذه هي الحرية الاسرائيلية . هذه هي حرية العبادة والإيمان وممارستهما !! وساقطة اللعبة المكشوفة باللعب على وتر الفصل بين الضفة والقطاع . وبين حماس والجهاد وفتح وغيرها من الفصائل !! الإعتـــداء على القدس اعتـــداء على كل الفلسطينيين !! طرد الفلســـطينيين من منازلهم لا يميّـــز بين واحد وآخر لا دينياً ولا سياسياً . الكذب الاسرائيلي مفضوح . ولا ينطلي على أحد !!
ما جرى في الأيام الأخيرة هو نتيجة للممارسات الإرهابية الاسرائيلية وليس بسبب المظاهرات الفلسطينية أو الدفاع عن النفس . نتانياهو وعصاباته لم يصغوا لأحد . والأخير ردّ على الأميركيين بالقول : " هذه عاصمتنا . ولكل دولة حق البناء في عاصمتها. نحن سنبقى في القدس ولن نوقف عملنا " !! هذا هو السبب الحقيقي . إنه الإرهاب والاغتصاب والاعتداء على الحقوق الفردية والعامة والمقدسات .
الحدث الفلسطيني حدث أول على جدول الاهتمامات والمتابعات العالمية سياسياً وإعلامياً. لكنه ليس كذلك في عدد من الدول العربية التي تأخرت في إعلان مواقف خجولة أمس . إنه الطبع الذي أدى الى التطبيع بأثمان كبيرة . وَلَو . ألم يعد يعني لكم الأقصى شيئاً ؟؟ أين المقدسات ؟؟ اين الأخوة ؟؟ أين الإنسانية ؟؟ أين وثيقة الأخوة والإنسانية ؟؟ أين النخوة والكرامة والمرؤة ؟؟ اجتماع لا يكتمل النصاب لعقده . واجتماع يدعى الى عقده نهايات الشهر وكأنكم تعطون فرصة لاسرائيل !! عيب . وهمٌ الاستقرار الذي تتحدثون عنه بالتطبيع وأنتم في الجانب الخطأ من التاريخ !!
القضية يا سادة ليست قضية " حماس " المنظمة " والجهاد " المنظم ، وأيديولوجيتهما . الأيديولوجيا الوحيدة مع اسرائيل هي الوجود . هي الحق . هي الأخلاق والكرامة والإنسانية والأرض والعدالة والمقدسات التي وقف الى جانبها كثيرون في الغرب وتبتعدون عنها كعرب ومسلمين . القضية للأسف هي قضية حماس عندكم للإسراع في التطبيع مع اسرائيل . للشراكة . للاستثمار . " للاستقرار ". وكأن اسرائيل دولة عدالة ونزاهة وشراكة أخلاقية والتزامات ثابتة .
والقضية ليست قضية " فتح " كتنظيم أو سلطة . لقد فتح صلاح الدين القدس . وأنتم تتفرجون على إغلاقها عاصمة أبدية موحدة يهودية لاسرائيل . القضية هي قضية فتح قنوات وجسور وسكك تجارة وتبادل خدمات واستثمارات مع اسرائيل ، وإغلاق العقول على أوهام والقلوب على شهوات . ولا شيئ من ذلك سيدوم .
تبقى كلمة : كتبنا منذ يومين عن أقدام وإقدام الفلسطينيين ، وشاهدنا بالأمس الشاب الفلسطيني الذي يرفع على أكتاف إخوانه ليرمي بنفسه ويدوس بأقدامه على رؤوس الجنود الصهاينة المحتلين . ورأينا هؤلاء يدخلون الى منزل ، يصــلون الى ملجأ بحثاً عن " إرهابيين " فلا يجدون سوى أربعة أطفال لا يتجاوز عمر كبيرهم 8 سنوات . لفوا أنفسهم بالعلم الفلسطيني وعندما شاهدوا عسكر العدو رفعوا شعارات النصر . فلم يكن أمام هؤلاء إلا الدهشة . عبّروا عنها ببسمة الحقد والعجز !! البسمة الحقيقية البريئة المعبّرة هي لأطفال فلسطين . البسمة الفلسطينية تحت الاحتلال والترهيب والتخويف ، قوة تخيف. وعلامة نصر . القوة لأطفال فلسطين والعجز لعسكر الإرهاب والاغتصاب !!

المصدر :جنوبيات