الاثنين 17 أيار 2021 12:07 م

ذكرى وعبرة.. بقلم معن بشور


 

 من كان يظن أن لبنان البلد الصغير بمساحته وعدد سكانه، الكبير بدوره ورسالته ومقاومته، قادر أن يسقط، وخلال أشهر اتفاقاً للإذعان عقدته حكومته مع حكومة تل أبيب، ورعاه وزير خارجية الدولة الأكبر في العالم، الوزير الأميركي جورج شولتز، وصوّت عليه أغلبية أعضاء المجلس النيابي باستثناء نائبين وطنيين هما زاهر الخطيب ونجاح واكيم، وعدد من نواب قاطوا الجلسةاو أمتنعوا عن التصويت  وأبرزهم الرئيس الشهيد رشيد كرامي، والرئيس الراحل رشيد الصلح، والرئيس حسين الحسيني والنائب البير منصور، اطال الله في عمريهما. والنواب باخوس حكيم،صالح الخير، عبد الله الراسي، هاشم الحسيني، حسن الرفاعي ، حسن الميس ، سليم الداوود ،عبد المولى امهز، ناظم القادري ، توفيق عساف ،أمين الحافظ ،ريمون اده، احمد اسبر ،فريد جبران ،منير ابو فاضل ، موريس زوين، رائف سمارة وفريد سرحال. 

 طبعاً الأشهر الثمانية التي فصلت بين توقيع الاتفاق وإسقاطه بعد انتفاضة 6 شباط 1984 شهد الميدان اللبناني  مواجهات سياسية وعسكرية، شارك فيها قادة وطنيون وأحزاب وطنية وقومية واسلامية  ومرجعيات دينية، وأقلام شجاعة، وشارك فيها مقاتلون لبنانيون وفلسطينيون بدعم عسكري سوري ودعم مادي ليبي، وبعض هؤلاء  استهدف بالاغتيال  ومحاولات اغتيال، وبعضهم بالحصار والتهميش، وبعضها بإشعال الفتن بينهم، كما رأينا في السنوات التي تلت ذلك الانتصار العظيم..

 وعلى الرغم من أن إسقاط اتفاق 17 أيار 1983، لم يكن مجرد نصر لبناني كبير جاء استكمالاً لمقاومة بدأت في شوارع بيروت وصيدا وصور والنبطية والشوف والبقاع الغربي، وتمهيداً لمقاومة باسلة حررت الأرض عام 2000، وصنعت معادلة ردع  شلّت قدرة تل أبيب على الاستباحة المستمرة للبنان عام 2006، إلا أن إسقاط هذا الاتفاق كان له أبعاده العربية والإقليمية والدولية التي ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اليوم، بأشكال متعددة، فيها الانتصارات والإنكسارات، والآمال والخيبات، بل شكّل نموذجاً يحتذى به لكل عربي يخوض اليوم معركته ضد التطبيع الذي فرضته عليه حكومات خاضعة للإملاءات الأمريكية بدلاً من أن تكون ممثلة لإرادة شعوبها.

 وتأتي هذا العام ذكرى هذا الاتفاق المشؤوم، الذي كان إسقاطه ثمرة تكامل بين السياسة والميدان، فيما تشهد فلسطين، كل فلسطين، ملحمة مواجهة رائعة مغمّسة بدم المئات من الشهداء والجرحى، لتعلن  أن مصير هذه المواجهات في فلسطين مع هذا العدو العنصري الإرهابي لن يكون مختلفاً عن مصير مواجهات مماثلة عرفها لبنان بعد 17 أيار 1983، ويوم التحرير، وفي المنازلة الكبرى عام 2006، وما بينهما من مواجهات.

 إن إسقاط اتفاق السابع عشر من أيار تأكيد على حقيقتين أولهما أن شعباً عربياً، مهما كان صغير الحجم، قادر بالمقاومة على هزيمة أعدائه مهما كبر حجمهم وتعاظمت قدراتهم. وثانيهما أن الاتفاق مع الكيان الغاصب، ومخرجاته التطبيعية ليس له مكان في حياتنا العربية والإسلامية.

 وإنها لملحمة حتى النصر والتحرير.

المصدر : جنوبيات