السبت 19 حزيران 2021 13:02 م |
القوي في طائفته |
* غازي العريضي* مـــن صفوف أحد الفريقين المعنيين بتعطيل تشكيل الحكومة، حليفي الأمس وعدوّي اليوم، خرج أحدهم ليعبّر عن ضيق فريقه من الواقع الحالي فقال : " لا يمكن أن نبقى على هذا الوضع بحجة القوي في طائفته "!! كلام غريب. مستهجن لم نألفه سابقاً. وكأن صاحبه عطّل ذاكرته. أو أصرّ على العبثية في التصرف. وفي كلتا الحالتين تجاوز لحقيقة تقول : عطّلوا البلد لسنوات بحجة القوي في طائفته!! فماذا عدا مما بدا؟؟ عندما رفع هذا الشعار على طاولة الحوار، كنا في طليعة الذين رفضوه من منطلق وطني، وقناعة ثابتة بأن من يتولى الشأن العام وخصوصاً المسؤوليات في الدولة يجب أن يكون ذا حس وطني وتمثيل وطني وصاحب ذهنية لا تميّز بين لبناني وآخر، ومنطقة وأخرى، وطائفة وأخرى، ومذهب وآخر. لا يكفي أن يكون قوياً في طائفته لينحرف وينجرف بقوته فيسيئ الى طائفته وبلده وإخوانه فيه. وهذا ما جرى في التجربة الأخيرة التي نعيش أشهرها الأخيرة أيضاً وقد دمّر لبنان ودولته ومؤسساته. كنا ولا زلنا نقول : لا يكون السياسي قوياً في صناديق الاقتراع فقط وموجات التحريض المذهبي والطائفي وعوامل المال والاستئثار ولعبة السلطة، قد نكون أمام أقوياء بل أمام أوائل في طوائفهم في نظامنا الطائفي المركّب، لكن القوة في مثل هذا النظام لا تخرج من صناديق الاقتراع فقط. القوة هي قوة العقل والحكمة والمنطق والرؤيا والصدق والوفاء والالتزام والمعرفة والخبرة والتعلّم. القوة ليست حقداً أو تهوراً أو انفعالاً. ونتائج هذه الصفات أمامنا. ما معنى أن تكون قوياً وقد فككت قوتك، بيتك، وحوّلته الى فرق وأصهار وحراّس قدامى وجدد، وفكّكت الدولة وأخذتها الى الانهيار بالشراكة مع " القوي " الآخر في طائفته؟؟ تحالف هذا النوع من القوى والذهنيات والشهوات والإدعاءات أنتج الإفلاس والانهيار وانتهى بخطاب الشتائم والإتهامات والإهانات والبشاعات والتأنيبات من الخارج "والبهدلات " " والشرشحات " من وفي الداخل!! ومع ذلك هل يمكن إدراج ما قاله " عظيم " من عظماء أحد الطرفين أنه لا يمكن البقاء في هذا الوضع بحجة القوي في طائفته، في خانة مراجعة نقدية؟؟ لسنا معتادين مع هؤلاء على هذه الشجاعة الأدبية والقواعد العلمية في العمل السياسي، لأنهم يعيشون بين حدّي العبثية والشعبوية. ومع ذلك نسأل : هل يوجّه الكلام الى عدو اليوم "القوي " في طائفته نظرياً بسبب عدم تشكيل الحكومة؟؟ أم أنه ينطبق على الجميع؟؟ إذا كان الجواب الاحتمال الأول، فهذا يعني إصراراً على الانحـــراف الفكري فمــا "ينطبق على غيرنا " لا ينطبق علينا. وبالتالي هو هروب الى الأمام وسقوط في المنطق والممارسة. وإذا كان الجواب الاحتمال الثاني فهذا يعني أن نظرية " القـــوي فـــي طائفته " التي جاءت بهؤلاء الى الحكم نظرية ساقطة ولم يعد ولن يعود لها مكان في المعادلة السياسية بعد التجربة التدميرية!! وبالتالي، لنفترض أننا ذهبنا الى الانتخابات ولم تتغير المعادلة كثيراً كما هو متوقع. ماذا سيفعل هؤلاء؟؟ هل سيخوضون حرباً جديدة وتعطيلاً جديداً للمؤسسات لفرض " القوي " في طائفته؟؟ أعود واقول رفضنا هذا المنطق من الأساس!! وهل سيقبلون ب " القوي " الآخر في طائفته، والأسئلة هذه تنطبق على الآخر أيضاً؟؟ فهذا القوي كان أضعف الضعفاء، واستضعف من معه وأهدر قوته، وشريك في ما آلت إليه الأوضاع في لبنان. " اتفاق المصالح " بين " الأقوياء " الضعفاء بشهواتهم وقصر نظرهم ومستوى تفكيرهم كما اثبتت التجربة كان الأقوى في تدمير البلد بسرعة فائقة. لذلك وانطلاقاً من معايير القوة التي أشرنا إليها لتعاطي الشأن العام وتحمّل مسؤوليات في الدولة، فلنبتعد عن استخدام تعبير " القوي في طائفته " ولنقل " الأول " بغض النظر عن أسباب احتلال هذا أو ذاك هذا الموقع!! والأنكى أن المتمسكين بالمنطق المذهبي الطائفي اللاعبين على وتره دائماً وخصوصاً العدوّين اللدودين اليوم المعطلين تشكيل الحكومة، يكرّران بشكل دائم أنهما " تياران عابران للطوائف "!! من يسمع هذا الكلام يخيل له أنه أمام تيارين جارفين كل العصبيات والنكايات والمذهبيات والحسابات الصغيرة، يحملان أفكاراً رؤيوية عالمية إنسانية فكرية ثقافية اجتماعية اقتصادية مالية لم تتوفّر لدى أحد في العالم في بداية الألفية الثالثة!! " وأقوياءهما " " وسادتهما " " تسيّدوا " "سادوا " " وقادوا " وعن الصغائر والحقد ما حادوا بل تمادوا فأغرقوا لبنان!!
المصدر :جنوبيات |