الاثنين 19 تموز 2021 19:31 م

محمد آغا ... فنان أُبدع من أجل فلسطين


* هيثم زعيتر

بلمح البصر ومن دون سابق إنذار أو استئذان أغمض الفنان الفلسطيني المُلتزم محمد إبراهيم آغا عينيه (عن 49 عاماً)، طاوياً مسيرة لاجئ، استطاع خلال سنوات عمره تحويلها إلى إبداعٍ بحسٍّ فنيٍّ مُرهفٍ، غناءً، عزفاً، تلحيناً، كتابةً للكلمات وتمثيلاً.

امتاز الفنان محمد آغا بنبرة صوته التي تُعبِّر عن ألم الولادة خارج أرض، الذي غنّاه ونسج من شرايين جسده أوتاراً عزف بها على العود.

اختار دمه حبراً، ليكتب قصائد تُعبّر عن الحنين إلى أرض المُرسلين.
غنّى فلسطين، "وعَ القدس راجعين"،
عبّر عن آلام وأحلام اللاجئين،
أنشد للأسرى الصامدين،
وللأرض ومياه وسماء مهد الأوّلين،
للزيتون والدالية والتين،
عبّر أينما حل عن الحنين،
وكلّه أمل بتحقيق حلم العودة ولو بعد حين،
تمتّع الفنان الراحل بدماثة خُلقه، وطيب مُحيّاه، والابتسامة التي لا تُفارق ثغره، فيُغنّي رغم الألم الذي يختزنه، مُنذ ولادته في مُخيّم عين الحلوة في العام 1972، حيث بدأت، وهو في سن الثامنة من عمره، تبرز مواهبه، مُستخدماً "مكنسة القش" ليعزف عليها مع أترابه،

فتتحوّل أزقّة المُخيّم إلى أمسية فنية تراثية ما لفت الأنظار إليه.

جهد على نفسه بتنمية موهبته عزفاً على آلة العود، التي تحتاج إلى مُبدعٍ، وبأُذُنٍ موسيقية، أكملها مع غناء وطني موزون، وتلحين وكتابةٍ للأغاني.

لم يكتفِ بذلك، بل أبدع في التمثيل على خشبة المسرح، مُفجِّراً طاقاته.

لتكتمل صورة الفنان، مُنطلقاً من اعتبار أنّ الفن رسالة شراكة في مسيرة النضال من أجل أقدس القضايا.

على مدى سنوات عدّة، عرفتُ الراحل، الذي كان قريباً من القلب لدرجة كبيرة، ويُسارع دائماً إلى الاطمئنان على مَنْ يعرفه.

تشاء الظروف أنْ أُشارك في حضور نشاطات ومهرجانات واحتفالات شارك فيها الفنان محمد آغا في لبنان وخارجه مع فرقة "حنين"،

فأبدع وزملاؤه في نقل عدالة قضيتهم إلى الجمهور، الذي كان يتفاعل معهم بشكل لافت.

لم تُفارق "الكوفية" الفلسطينية كتفي الفنان الراحل، الذي تأثّر مُنذ صغره بشاعر الثورة الفلسطينية إبراهيم محمد صالح "أبو عرب"، حتى أصبح شبيهه في صوته وأدائه.

حتى في اسم محمد، الذي اختاره والده إبراهيم له، واختياره هو لاسمي ولديه خليل وعبد الرحمن، فيها الكثير من الشبه بأسماء الأنبياء والرُسل والصالحين، الذين فيهم بصمات في مهد المُرسلين.

يرحل الفنان المُبدع وهو في عزِّ العطاء، وقد ترك رحيله غصّةً لدى كل مَنْ عرفه أو سمع عنه، لكن ستبقى مسيرته العطرة، وسيرته الطيّبة تُؤرّخ لفنان وُلِدَ لاجئاً، وناضل من أجل العودة إلى أرض الوطن، فلسطين، التي تسنّى له زيارتها، وإنْ كان يُمنّي النفس بأنْ تكون عودة نهائية يُغنّي هناك للأرض التي تتكلّم عربي.

رحم الله محمد آغا، ابن فلسطين، الذي ووري الثرى في "مقبرة سيروب" - صيدا، بمُشاركة حاشدة.

العزاء إلى عائلته وأهله وحركة "فتح" و"الاتحاد العام للفنانين الفلسطينيين" وكل مَنْ عرفه.

المصدر :جنوبيات