الأحد 1 آب 2021 12:37 م |
د. المحرصاوى يكتب: شهادة على «الطريق الصعب»: كتاب يؤرخ لمسيرة الأخوة |
* د. محمد حسين المحرصاوي بحكم عملى رئيسًا لجامعة الأزهر شرفت بحضور بعض اللقاءات التى جمعت بين فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، ومن بينها القمة الثالثة بينهما، والتى ولدت فيها فكرة وثيقة الأخوة الإنسانية، والقمة التاريخية الخامسة بأبوظبى، والتى وقعت خلالها الوثيقة، ثم القمة السادسة فى روما. كانت تلك اللقاءات غنية بالنقاش الثرى فى مختلف القضايا الإنسانية، ومليئة بالتفاعل والمواقف والذكريات التى لا تنسى، ومفعمة بالمشاعر الصادقة بين القائدين الدينيين، حيث كانت تجمعهما الإرادة الصادقة للعمل من أجل إنقاذ الإنسانية من مآسيها ومشاكلها المعقدة. فكرت كثيرًا فى تسجيل تلك الذكريات أولًا، لإيمانى الشديد بأن من حق علماء الدين والمثقفين والقراء أن يعرفوا تفاصيل تلك الأحداث التاريخية، ويعيشوا مشاعرها، ويستوعبوا الأبعاد والأسباب التى أدت لتوقيع الوثيقة التاريخية، ليدركوا أهميتها فى واقع ومستقبل العالم، وثانيًا لأنها أثرت فىَّ كثيرًا على المستوى الشخصى فكريًّا وإنسانيًّا. وبينما شغلتنى أعباء مسؤولية إدارة جامعة الأزهر عن الكتابة؛ فوجئت بإهداء كريم من صديقى العزيز وأخى القاضى محمد عبد السلام، الأمين العام للجنة العليا للأخوة الإنسانية، يحقق ما كنت أحلم به، ويهدينى حلمى بل أكثر منه، من خلال كتابه «الإمام والبابا والطريق الصعب»، فإن كنت أنا قد حضرت فى بعض تلك اللقاءات، فقد كان هو شاهدًا على جمعيها، وهذا ما أهله ليدون مذكراته، مع ما حباه الله من مشاعر صادقة وعاطفة جياشة، وموضوعية ومهنية عالية، نقلت تلك الأحداث من داخل الغرف والاجتماعات إلى عقل وقلب القراء. والكتاب هو شهادة على وثيقة الأخوة الإنسانية، وفى الوقت نفسه هو كتابُ تأريخٍ لكثير من الأحداث قبل توقيع الوثيقة، وقد جاء كتابه مرتبًا ترتيبًا علميًّا وتاريخيًّا، حتى إنه ليعد وثيقة عصرية للعلاقة بين الأزهر والفاتيكان، بل بين الإسلام والمسيحية. فنقل الأحداث بأمانة، وصوَّر الوقائع بصدق، بالإضافة إلى أنه تناول القضايا الفكرية المهمة التى يحتاج القارئ إلى معرفتها بشكل رائع يجمع بين الدقة العلمية وسلاسة الأسلوب. امتاز الكتاب بلغته العربية الفصحى، مع الأسلوب الأدبى الرصين، بالإضافة إلى السلاسة فى العرض، وسرد الأحداث بترابط، مع توثيق ما استطاع بالمصادر المعتمدة والوثائق والصور. والجميل فى الكتاب أنه أعطى كل ذى حقٍّ حقَّه، فلم ينس جهد الأب يوأنس لحظى، المترجم والسكرتير الشخصى السابق للبابا، ومعالى الأستاذ محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة بأبو ظبى، والدكتور سلطان فيصل الرميثى، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، والأستاذ ياسر حارب الكاتب والإعلامى الإماراتى وغيرهم كثيرون ممن ساهم فى نجاح هذا «الطريق الصعب». ولم ينس جهد جمعية سانت إيجيديو، ووزارات الخارجية المختلفة وتحديدًا مصر والإمارات، والسفراء، وهيئة كبار العلماء بالأزهر، ومجلس حكماء المسلمين، والمغفور له الدكتور محمود حمدى زقزوق، بل لم ينس فريقه من الشباب الذين يحلو له أن يلقبهم بـ«فريق المهمات الصعبة»، وهذا إن دل فإنما يدل على فطرة سليمة ونفس واثقة فى رد الفضل إلى أهله. ورغم أننى تشرفت بحضور مأدبة الغداء فى بيت البابا التى طرح خلالها أخى المستشار محمد عبدالسلام، فكرة الوثيقة، وشاهدت بنفسى اهتمام فضيلة الإمام وقداسة البابا بالمبادرة وعزمهما على تنفيذها، وبالطبع أنا أعرف أخلاق الإمام الأكبر وحكمته ومواقفه الإنسانية المتفردة عن قرب بحكم معايشتى عن قرب، إلا أن هذا الكتاب المهم جعلنى أعرف ما لم أكن أعرفه عن شخصية البابا فرنسيس وإنسانيته وتسامحه، وأنه ـ كما يلقبه الإمام الأكبرـ رجل سلام بامتياز، وعن الدور العظيم الذى قام وما زال يقوم به صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولى عهد أبوظبى، وكما لقبه الكاتب راعى الأخوة الإنسانية، فى دعم هذا المشروع وخدمة الإنسانية بكل صدق وإخلاص ودون أية حسابات. وختامًا فإننى بصفتى أستاذًا جامعيًّا يهتم بالبحث والدراسة، فإننى أرى فى هذا الكتاب كنزًا علميًّا ثمينًا، أدعو جميع أبنائى الطلاب والباحثين فى تخصصات الدراسات الإنسانية إلى الاستفادة منه، خاصة أن هذا المجال البحثى لا يزال يحتاج منا إلى المزيد من الجهود العلمية الصادقة بما يعود بالخير والنفع على الإنسانية كلها. * رئيس جامعة الأزهر المصدر :المصري اليوم |