الأحد 15 آب 2021 10:17 ص

رفع الدعم عن المحروقات: سوء نية ام أسلوب معالجة.. وفاء ناصر


* وفاء ناصر

مداهمة القوى الأمنية لمحطات الوقود وإلزامها تعبئة المحروقات بالسعر الرسمي نالت رضى الجمهور الممتعض من استمرار تحكّم الكارتيلات وأصحاب المحطات على حد سواء إضافة إلى جشع مَن امتهن "النطرة في الطابور" لبيعه في السوق السوداء.

ففي مقابل تقنين الكارتيل للكميات التي يتم توزيعها واحتكار المادة لحين ارتفاع سعرها، تتصدر طبيعة أخلاق اصحاب المحطات الواجهة وفق اسلوب تعاملهم في ظل الأزمة.
بعضهم يتعامل بإنسانية مطلقة وأخلاق عالية ويخفف من وطأة الواقع المرير، يزودون الآليات بالبنزين حتى نفاذ الكمية متعهدين أمام الخالق عدم ظلم أحد ومتنبهين لأي فرد يريد المتاجرة بحق غيره. 
والبعض يرى في الظرف الراهن سلاحا فعالا لرد الاعتبار. فيتعامل باستنسابية مع الأفراد سواء لجهة الكمية او حتى لفكرة قبول تزويدهم بالوقود. فيخص زبائنه الدائمين بالمادة ويقاصص الآخرين الذين يقصدون محطته "على قطعه"، وغالبا ما تشهد القرى هذه الحالة.
في حين أن آخرين يتفنون في اللعب بأعصاب الناس ويتقنون العزف على وتر الحاجة. فيحددون مواقيت غير مبررة لفتح المحطات ولا تمت للمنطق بصلة. تارة في الصباح الباكر، تارة أخرى بعد الحادية عشر مساء، تارات يعلنون نية الفتح فتصطف السيارات ويبدلون رأيهم، وأحيانا يقومون بإرسال رسائل لخاصاتهم حصرا ويكون الظلام الدامس شاهدا على فعلتهم.
ومنهم من يجد أنه معني بتيسير امور سكان بلدته، فيحصر كمية المحروقات التي تتزود بها محطته لسكان البلدة فقط.
 
كثيرة هي المواقف التي تشعر المواطن بالذل والنقص والدونية، غير ان أكثر ما يزعجهم عبارة "خلص ما بقى في بنزين" بعد مدة انتظار تفوق الساعتين، علما ان الخزان الذي سعته 60 الف ليتر لن ينتهي مخزونه بطابور سيارات يتكون داخل بلدة ما. 

 وزير الطاقة ريمون غجر ذكر سابقا ان سعر صفيحة البنزين سيرتفع ولا بد للمواطن من إيجاد بديل. وحاكم مصرف لبنان بقراره غير القانوني رفع الدعم عن المحروقات احدث بلبلة كبيرة. فهذا الأمر ليس تفصيلا صغيرا يمكن التغاضي عنه كونه سينسحب ارتفاعا في اسعار السلع وفي تكاليف متطلبات الحياة ككل. وهو بمثابة جريمة يقترفها الحاكم ضد طبقات المجتمع كلها دون استثناء.

رغم ان سحب البساط دفعة واحدة من تحت المواطنين بفترة زمنية قصيرة جدا يدل على سوء نية الا انه يسمح بتوحيد الأسعار حسب سعر الصرف. وهو لن يشكل عقبة لدى أصحاب محطات الوقود كون الربح سيرتفع مقارنة بكمية البيع التي ستتقلص.

وفي ظل تخوف المواطنين والموظفين من تطبيق رفع الدعم عن المحروقات بداية تمهيدا لرفعه مطلقا واضطرارهم إلى تقديم استقالتهم لعدم تناسب الرواتب مع التكاليف وعدم تلبيتها الحد الأدنى من أساسيات الحياة، يرى أحد اصحاب المحطات أنه في هذه الحالة يسود الاستقرار النفطي وتُكف يد محتكريه فتتوقف تلقائيا ظاهرة بيعه في السوق السوداء وينعكس ذلك إيجابا على المواطن.
ويردف أن هذا القرار إن اتُّخذ هو رحمة للشعب واستقرارا للمؤسسات ما يضمن استمرارية إنتاجها المرهون حاليا بإمكانية الحصول على المحروقات والتي غالبا ما تجدها في السوق السوداء.

كل ينظر إلى الأزمة من موقعه وما هو مقبول للبعض يرفضه البعض الآخر، فالنسبية سيدة الموقف. ولكن المؤكد والحتمي ان السياسات الاقتصادية التي اعتمدت لم تكن صالحة وأن رفع الدعم بعد عقود من الدعم والرخاء الوهمي هو جريمة لا يمكن السكوت عنها. والملفت ان من يتحكم بمفاصل حياتنا يعوّل على قدرتنا على التكيف مع الظروف. ولكن لماذا إصرار رياض سلامة الذي أنيطت به مهمة حماية الليرة ان يهدم قيمتها ويزعزع الامن الاجتماعي والصحي والغذائي في ظل العهد القوي؟ وماذا عن البعد الزمكاني لحملة المداهمات؟ وهل ستشمل كل الخزانات بما فيها العائدة للدولة؟

المصدر :جنوبيات