الأحد 15 آب 2021 13:21 م

قمر كفرشوبا "إم حسام" وافي تغفو في رام الله


* هيثم زعيتر

رحلت الحاجة فهدة محمد يوسف قصب زوجة المُناضل اللواء مصطفى وافي "أبو حسام" (جيفارا العرقوب)، في مدينة رام الله بالضفّة الغربية، بعد مُعاناة مع المرض.

تحفل مسيرة المُناضلة فهدة بالكثير من المحطات على مدى عُقودٍ من الزمن، بالنضال لأجل قضيّة فلسطين، التي أحبّتْ، وتحقّقت إحدى أمنياتها بأنْ أغمضت عينيها في أرضها، كما ووريت في ثرى الأرض المُباركة.

في بلدة كفرشوبا في العرقوب، حيث نقطة التلاقي بين الحدود اللبنانية والفلسطينية والسورية، وُلِدَتْ فهدة في منزل المُناضلَيْن محمد يوسف قصب والمُعمِّرة الحاجة آمنة عبده خليفة.

في ذلك المنزل الذي يضم، فضلاً عن الأبوين: 6 أولاد (صبي و5 بنات)، هم: فهد، مبادئ، فهدة، هناء، كوثر وفاطمة، تربّوا على المبادئ، والمُثُل، والقيم، والتواضع، والصدق، والإلتزام الديني، وحب الآخرين ومُساعدتهم.

بعد انطلاقة الثورة الفلسطينية في 1 كانون الثاني/يناير 1965، ووصول طليعة الفدائيين إلى منطقة العرقوب، كان قائد أوّل دورية يصل فيهم في بداية العام 1968، الفدائي مصطفى وافي، الذي عُرِفَ باسم "جيفارا العرقوب".

نُسِجَتْ علاقات ما بين "أبو حسام" وعائلة المُناضل محمد قصب "أبو فهد"، الذي كان في طليعة المُناصرين المقدامين للفدائيين في العرقوب، ودليلاً لفِرق الاستطلاع لرصد تحرّكات العدو الإسرائيلي وكشف مواقعه.

أمّن المُناضلان محمد قصب وزوجته آمنة، الملاذ الآمن للفدائيين، بل المنامة مع أولادهم، لحمايتهم من عيون المُخبرين والعملاء من اعتقالهم، وتأمين الحراسة لهم، منعاً من أنْ يغدر بهم أحد، فضلاً عن تضميد جراح مَنْ يُصاب.

احتضن المنزل الرئيس ياسر عرفات لفترات طويلة ومرّات عدّة، الحاج إسماعيل جبر، اللواء ناصر يوسف ومحمد مدني والعديد من المُناضلين.

دفعت العائلة ضريبة انتمائها الوطني والتصاقها بالقضية الفلسطينية، فاستهدف الاحتلال الإسرائيلي منزلها بقصفه وتدميره مرّات عدّة، لكن ذلك لم يُغير محمد قصب وآمنة عن تمسّكهما بموقفهما الثابت تجاه القضية العادلة، فكانت تتم إعادة بناء ما تهدم في كل مرّة.

كانت الحاجة "إم فهد" تنتقل مع ابنتيها مبادئ وفهدة إلى قواعد الفدائيين، ويقمن بنقل السلاح والذخائر، بعد تخبئتها بين رزم الحطب أو المونة، لإيصالها إلى قواعد الفدائيين، مُحذّرات إياهم من دوريات "الشعبة الثانية" أو الاحتلال الإسرائيلي.

لم يُؤثّر على قيامهم بالمُهمة، لا القصف ولا طبيعة المنطقة الجغرافية، التي يكون شتاؤها بارداً قارساً، مع تراكم الثلوج بأمتار عديدة، عند سفوح مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجبل الشيخ.

بين مَنْ كان يُواكب "إم فهد"، ابنتها فهدة، التي كانت "قمر كفرشوبا" وملكة جمال البلدة، إلى أنْ عُقِد قرانها إلى الفدائي اللواء مصطفى وافي، فكان شاهداً على زواجهما اللواء نصر يوسف (وزير الداخلية والأمن الوطني في السلطة الوطنية الفلسطينية).

كما كان زواج فهدة من مُناضل، كذلك كان زواج شقيقاتها مبادئ، التي استُشهدت مع زوجها المُناضل الدكتور صابر القادري، خلال أحداث اليوم المشؤوم في صيدا 9 أيار/مايو 2008.

وهناء التي تزوّجت من المُناضل في صفوف الثورة الفلسطينية السوري شريف نوفل.

وكوثر التي تزوّجت من محمد حمادة حمودة، الذي استُشهد أثناء تصدّيه لقوّات الاحتلال الإسرائيلي في غزو حزيران/يونيو 1982 في محور عين عطا - السلطان يعقوب، التي تكبّد فيها جيش الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة، وكانت حامل فوضعت بعد استشهاده مولودهما فادي، الذي سار في موكب تشييع والده، بعدما تمَّ العثور على رفاته إثر الاندحار الإسرائيلي عن الجنوب اللبناني في أيار/مايو 2000.

تنقل "أبو حسام" وزوجته مع الثورة الفلسطينية، إلى أنْ حطّا الرحال في رام الله، مُكوّنين أسرة مُؤلّفة من 7 أولاد (3 شبان و4 بنات)، واصلوا طريقهم النضالي، هم: حسام، محمد، وسام، شهيناز، رولا، بثينة وريما زوجة اللواء سعيد اللحام (رئيس جهاز الحرس الخاص لرئيس دولة فلسطين محمود عباس).

خلال زيارتي فلسطين في آب/أغسطس 2009، تعرّفت إلى اللواء "أبو حسام" وافي وأفراد عائلته، ويومها حرصت الحاجة "إم حسام" على أنْ تُولم احتفاءً بقدومي كصديق للعائلة المُقيمة داخل فلسطين أو في كفرشوبا.

وجدتُ سيدة فاضلة، يشعُّ الإيمان من وجهها، تستقبلك بابتسامة ولطافة، ودماثة خُلُق، وحنية وطيبة، واحتضان، اعتادت عليه مُنذ أنْ كانت في منزل والديها محمد وآمنة، ووجدته مع شريك عمرها اللواء "أبو حسام"، فكوّنا أسرة سارت على طريقهما، بالأخلاق والقيم والمبادئ والمُثُل وحب الآخرين والتواصل معهم.

وبقي التواصل مُستمراً مع العائلة.

 رحلت الخالة الحاجة فهدة، المُؤمنة الصابرة، بعدما أدّت فريضة الحج ومناسك العمرة، وزيارة المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، كما كنيستي القيامة والمهد.

إنْ كانت أُمنية الراحلة أنْ تُبصِر دولة فلسطينية مُستقلّة وعاصمتها القدس الشريف، وتحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، إلا أنّ إحدى الأمنيات الكبيرة، تحقّقت بأنْ تُوارى في ثرى الأرض المُباركة.

بعد عام على رحيل والدتها الحاجة "إم فهد"، في شهر آب/أغسطس 2020، ارتقت الحاجة فهدة إلى العلياء بفرح واطمئنان، بعدما أدّت رسالتها، توّجتها بأولادٍ وأحفادٍ يسيرون على الخُطى والمبادئ التي تحلّت بها، فغرست فيهم الأخلاق والمُثُل والقيم وحب الآخرين، والفداء والتضحية من أجل الوطن، إيماناً منها بأنّ الإنسان راحل ويبقى الأثر الطيّب، وهو ما تتحلّى به الحاجّة "إم حسام"، التي كانت دائماً تُوحِّد وتجمع ولا تُفرِّق.
تغمّد الله المُناضلة الحاجة فهدة بواسع رحمته، وأسكنها فسيح جنانه، وألهم أهلها ومُحبيها الصبر والسلوان

 

المصدر :جنوبيات