الثلاثاء 17 آب 2021 18:50 م

وليد جرادي… علامة فارقة في التربية والتعليم.. وفي العمل النّقابيّ


* عصام حسين الحُرّ

لا نبالغ إذا قلنا إنّ الأستاذ وليد جرادي كان علامة فارقة في عالم التربية والتعليم وكذلك في الحياة النقابيّة في لبنان. منذ أن دخل سلك التعليم في ثانويّة المقاصد الإسلاميّة في صيدا،أبدى من النشاط ما جعله أهلًا لأن يوكل إليه القيام بمهامّ الإشراف على تدريس اللغة العربية في مدارس المقاصد كافّة، أي ثانويّة المقاصد، وثانويّة المقاصد للبنات والدوحة، ومدرسة عائشة أمّ المؤمنين. مارس عمله باندفاع ونشاط، وكان حريصًا على أن يتابع نشاط كلّ معلّمة بدءًا من تحضير الدّروس، وصولًا إلى خطوات الشّرح، مرورًا بالتّفاصيل الصّغيرة المتعلّقة بضبط الصّفّ، ودرجة التفاعل من الطلاب، والأهداف التي يتمّ تحقيقها. وكأنّ مهامّ الإشراف فتحت أمامه آفاقًا جديدة في العمليّة التربويّة، ولاحظ ما تعانيه المكتبة المدرسيّة من نقص المواضيع المطروحة، فقرّر طرق باب التأليف المدرسيّ، وهكذا وظّف خبرته في التعليم، وتجربته في الإشراف، وما اطّلع عليه من نظريّات في مجال التربية والتعليم، وخرجت إلى النور سلسلة "المدارج في القراءة والأدب" لطلّاب المرحلة الابتدائية. بعدما نجحت التّجربة، عمد بالتعاون مع بعض زملائه إلى إعداد تتمّة للسلسلة لطلّاب المرحلة المتوسّطة، وتتويجًا للسلسلتين، عمد، إلى إعداد وإصدار السلسلة المميّزة " المدخل إلى التّعبير السّليم" التي شكّلت قفزة حقيقيّة في مجال التعبير ومساعدة الطالب على التفاعل الإيجابيّ مع هذه المادّة الّتي شكّلت لفترة طويلة عقبة حقيقيّة صعبَ على الطالب أن يجتازها بسهولة ويُسر. وكرّت بعد ذلك سبحة المؤلّفات المدرسيّة الّتي طالت كلّ الحلقات، حتى إذا صدرت المنهجية الجديدة سارع الأستاذ وليد إلى مواكبتها وأدخل على كتبه من التّعديلات ما يناسبها، والواقع أنّه كان حريصًا باستمرار على أن يطّلع على كلّ جديد في عالم التربية والتّعليم من نظريّات وأفكار وآراء، ليسارع إلى تطبيقه في كتبه. نقابيًّا، تبوّأ منصب نقيب معلّمي المدارس الخاصّة في الجنوب، ثمّ انتُخب أمينًا عامًّا لنقابة معلّمي المدارس الخاصّة في لبنان، واستمرّ في هذا المنصب حتى وفاته. التقيت به لأوّل مرّة في العام ١٩٧٩ عندما دخلتُ سلك التعليم في إحدى مدارس المقاصد، وسرعان ما قام تعاون بيننا في مجال التأليف المدرسيّ، واستمرّ هذا التعاون لعقود طويلة، وكان آخر كتاب أصدرناه كتاب "دليلك إلى اللغة العربيّة" لطلّاب الشهادتين المتوسّطة والثانوية. عرفتُ أبا بسّام أستاذًا، وعرفتُه مشرفًا، وعرفتُه إداريًّا، وعرفتُه نقابيًّا، والواقع أنّه في كلّ هذه المسؤوليّات، عرف كيف يعطي، وكيف يبلغ الأهداف التي يرجوها. في التعليم أتقن، وفي الإشراف تقصّى، وفي الإدارة بذل، وفي العمل النّقابيّ ضحّى، وفي الحصيلة، ترك بصماته البيضاء في كلّ هذه المواقع، ولا أغالي إذا قلتُ إنّه تميّز في كلّ ما قام به بالوقوف دومًا إلى جانب الأستاذ والمعلّم، ولعلّ ذلك يعود إلى الحسّ النقابيّ الذي تغلغل فيه بقوة، فهو أمضى في العمل النقابيّ عشرات السنين، كان خلالها المدافع الصّلب عن حقوق المعلّم، والمحارب الشرس في سبيل إقرار القوانين التي تحفظ له هذه الحقوق، فلا يبقى رهينة مزاج هذا أو ذاك من أصحاب المدارس. تصدّى بقوّة لأولئك الذين دأبوا باستمرار على هضم حقوق المعلّم، وخاض معارك شرسة معهم، واستطاع أن يكسب الكثير من المعارك التي خاضها ضدّهم، وللأمانة أقول إنّه مع نهاية كلّ عام دراسيّ، كان "يغرق" في معالجة حالات الصرف الكيفي التي كان يلجأ إليها بعض أصحاب المدارس، وقد استطاع أن يحفظ في هذا المجال حقوق الكثيرين من المعلّمين والمعلّمات، وأن يفرض على أصحاب المدارس الالتزام بما تلحظه القوانين من حقوق على مختلف الصُّعُد. ما زرتُه يومًا في مكتبه في مركز النقابة في صيدا، إلّا وكان منصرفًا عبر الهاتف إلى معالجة ما بين يديه من شكاوى وقضايا مع هذا أو ذاك من المسؤولين والمعنيّين. لم يكن يكتفي بطرح القضيّة موضوع الشّكوى مع المعنيّ بها وتحصيل وعدٍ ما منه، وإنّما كان يلاحقها حتّى النّهاية، ولا يقفل ملفّها إلّا بعد بلوغ الهدف الذي رسمه لها، أو على الأقل إخضاعها لما يفرضه القانون بشأنها. استطاع عبر مسيرته الطويلة في العمل النقابي أن يحفظ حقوق المئات، بل الألوف، من المعلّمين، كما استطاع أن يحقق الكثير من المكتسبات للمعلّمين، بدءًا من فرض مساواة معلّمي القطاع الخاصّ مع زملائهم في القطاع العامّ في الرواتب والأجور والتدرّج، وانتهاءً بإعطائهم الحقّ في تقاضي راتب تقاعديّ، مرورًا بإنشاء صندوق التعاضد الذي يُعتبَر إنجازًا سبقت به نقابة المعلّمين قطاعات أخرى كثيرة لم تتمكن بعد من الحصول عليه. لم يرحل الأستاذ وليد جرادي إلا بعد أن ترك بصماته البيضاء التي ستظلّ تشهد أنّ رجلًا ناشطًا عَبَرَ سماء الجنوب وبلغ شعاعُ عطائه كلّ لبنان. في رحاب الله يا أبا بسّام، والحمد لله ربّ العالمين.

المصدر :جنوبيات