الاثنين 15 آب 2016 10:08 ص

18 عملية إغتصاب... والمستور أضعاف المكشوف


 

لم تكن قد اكتملت استدارةُ نهدَيها لحظة شعرَت للمرّة الأولى برعشةٍ بين فخديها، بعدما دعاها جارُ والدتها «الدكّنجي» صلاح، لتختارَ ما لذَّ وطاب من الحلويات. لم تُثِر هذه الدعوةُ أيَّ شكّ لدى الوالدة، بل وجدَتها فرصة مناسبة لترَكّز مع «زبونات» المحلّ، حتى إنّها لم تفكّر لوهلة أنّ صلاح قد لا يكون صالحاً، وبدوره سيختار ما لذّ وطاب في حنايا جسد ابنتها. تكرّرت الدعوة مراراً، وفي إحدى المرّات كادت هذه المداعبات تتطوّر، لولا مرور موزّع الخبز بغتةً، فردَّ الجار: «إنت شو جابك بهالحشرة... مَوعَدك بُكرا الصبح»، وهو يحاول ترتيبَ ملابسه.تُشبه ظاهرة الاغتصاب في لبنان صخرةً وسط البحر، «المخبّا» منها اضعاف الظاهر. وهي لم تعرف الانحسارَ في السنوات الأخيرة، بحسب إحصاءات قوى الأمن الداخلي الخاصة لـ«الجمهورية».

ففي العام 2009 سُجّلت 11 حالة، وعام 2010 تمَّ التبليغ عن 21 حالة، لترتفعَ عام 2011 إلى 33، وعام 2012 إلى 42. فيما سُجّلت 36 حالة عام 2013، و52 عام 2014، و27 عام 2015. أمّا سنة 2016 وتحديداً حتى شهر حزيران تمّ كشف 18 عملية اغتصاب.

«هذه الأرقام لا يمكن الاستخفاف بها» على حدِّ تعبير مصدر أمني لم يَستبعد «أن يكون المستور أكبر بكثير ممّا يتمّ الإبلاغ عنه، نظراً إلى الظروف التي تحصل فيها عمليات الاغتصاب، وهي ذات الطابع العائلي، وربّما في مناطق نائية، أو حتى داخل المخيّمات، ممّا يَحول دون معرفة العدد الرسمي للارتكابات كلّ عام».

صوَّرَها عارية...

لم تكن رحاب قد تجاوزَت الـ 16 عاماً عندما أجبرَها ضياء على ممارسة الجنس. فقد تعرّفت إليه منذ 8 سنوات، بينما كانت تتنزّه مع رفيقتها، وقد هدّدها بأنّه سيفضح أمرَها لوالديها بأنّها كانت مع شاب إذا لم ترافقه إلى منزله. لم تجد تلك الشابّة حلّاً مناسباً إلّا بمرافقة «الجزّار» الذي سرعان ما أمرَها بخلعِ ملابسِها وإلّا سيَفضح أمرَها، فخلعت عنها ثوبَها مُكرَهةً. ومِن دون عِلمها كان يصوّرها وهي عارية، بعدما أشبَع رغباته.

غادرَ ضياء إلى سوريا، وبعد 4 سنوات عاد والتقى بضحيته في منطقة النبعة - برج حمّود، ومجدّداً طلبَ منها مرافقته إلى منزله تحت طائلة نشرِ صورِها القديمة وهي عارية. وقعَت رحاب ضحيّة الابتزاز، وعَمد ضياء إلى مجامعتها، قبل أن يتظاهر أنّه نفّذ وعده بالتخلّص مِن صوَرها عبر تحطيم هاتفه.

لوهلةٍ اعتقدَت رحاب أنّ مأساتها انتهَت، ولا سيّما أنّها كانت تعيش في حيرة من أمرها، ما بين التكتّم عمّا يَحدث معها أو إبلاغ أقرب مخفر، فكانت تُرَدّد في نفسها: «لا شكّ في أنّ الأهل سيُحمّلونني المسؤولية ويُمعِنون في تأنيبي»، لذا وجدَت في الصمت أفضلَ ملاذ. إلّا أنّ ضياء عاوَد الاتّصال برحاب ليُبلغَها بكلّ برودةِ أعصاب أنّه يومَ المجامعة كان يضع كاميرا لتسجيل الفِعل بكامله، وأنّه يَحتفظ بتسجيل مرئيّ وصوتي بالموضوع.

لذا هدّدها بنشرِه على مواقع التواصل الاجتماعي ما لم تقبل بممارسة الجنس معه. ونتيجة الابتزاز رضَخت تلك الشابّة خوفاً من الفضيحة، وقد ذهبَت إلى حدّ مدِّه أحياناً بالأموال تفادياً لافتضاح أمرها.

عابرون للجنسيّات

تتعدّد هوية المغتصِبين الذين يوقَّفون غالباً نتيجة تقديم شكوى من الضحية، ومرّات معدودة نتيجة إخبار. فيوضِح المقدّم جوني حداد رئيس مكتب الإتجار بالأشخاص وحماية الآداب: «سجّل العام 2015 توقيفَ 14 مغتصِباً لبنانياً، 12 سوريّاً، ومصريّاً واحداً. أمّا هذا العام، فقد أوقفنا حتى حزيران 13 لبنانياً، سوريَّين، وفلسطينيَّين».

في نظرة سريعة على مجمل الجرائم الجنسية التي يُبلَّغ عنها، يتبيّن أنّ المغتصِب غالباً ما يُخطّط لإشباع رغباته، ونادراً ما يَعتمد على الصدفة أو الحظ. في هذا الإطار يتوقّف حداد عند إحدى عمليات الاغتصاب التي تمَّ ضبطها، قائلاً: «بالتعاون مع مكتب حماية الأحداث، تمكّنا من توقيف رَجل يعاشر ابنتَه، بعدما لجأ إلى حلقِ رأس ابنتِه يوم شعرَ بأنّها قد تكون على علاقة عاطفية مع غيره».

ويضيف: «حرصَ الوالد على إرسال أولاده التسعة إلى التسوّل أو لبيعِ علَب المحارم. وبعدما بدأ يضاجع ابنتَه، أبقاها في المنزل معه، فيما أرسَل زوجته والأولاد إلى الشارع. دهمنا المنزلَ الكائن في السعديات، وأوقفنا العائلة برُمّتها للتحقيق، واعترفَ الوالد بفعلته».

إغتصَبه والده

تَطول معاناة ضحايا الاغتصاب وتتزاحم صوَر التعنيف الجنسي في مخيّلتهم. وما عاناه سامر إبنُ عشرِ السنوات غيضٌ مِن فيض تلك الأوجاع. إذ بدأ يتعرّض باكراً للتحرّش الجنسي من والده، إلى أن اصطحبَه ذات مرّةٍ معه في السيارة وحاولَ اغتصابَه.

كادت العملية تمرّ بصمت، لولا تَنبُّه والدته، وهي تُساعده على الاستحمام، إلى إحمرارٍ حادٍّ في منطقة أعضائه التناسلية وعلى مؤخّرته. لم تتردّد الوالدة في الاستفسار من وحيدها الذي أخبرَها بما كاد أن يحصل، فما كان من الوالدة إلّا أن قدَّمت بلاغاً بحقّ زوجها.

إستغلال مزدوج

وفي بعبدات، لاحَظ أحد رجال الشرطة أنّ فتىً في الرابعة عشرة مِن عمره يتردّد بشكل ملحوظ إلى أحد محالّ تصليح الهواتف. بعد التقصّي تبيَّن أنّ أحد العمّال الأجانب (48 عاماً) يدير المتجر، وقد وضَع سريراً حديدياً على «التتخيته» في الطابق الأوّل، حيث يدعو من وقتٍ إلى آخر بعضَ «زبائنه» بحجّة تقديم الحلويات لهم أو السماح باللعب على الحاسوب.

ومِن بين ضحاياه ذاك الفتى الذي قصَده ليُصلحَ له هاتفَه، فقدّم له الحلويات ودعاه لزيارته ولو مرّةً في الأسبوع. طابت الفكرة للفتى، خصوصاً أنّ العامل قدّم له المفرقعات الناريّة مجاناً ليلهوَ بها في الباحة مع رفاقه.

وبعدما تعطّلَ هاتف الفتى مجدّداً قصد المتجر نفسَه، إلّا أنّ الموظف دعاه هذه المرّة ليلعب على الحاسوب في الطابق العلوي، فلمعَت عينا الفتى حماسةً وهروَل إلى «التتخيته»، وبينما كان يلعَب، قام الموظف بمداعبته، وتقبيلِه ممازحاً. وبعد تكرار اللقاءات الأسبوعية، واتّساع الثقة بينهما، خلعَ العامل ملابس الفتى ورماه على السرير محاولاً اغتصابَه.

مؤشّرات معبّرة

معظم الذين يتعرّضون للاغتصاب يخرجون محطَّمين نفسيّاً، مثقلين بعقَدٍ ومشكلات لا يمكن التعايش معها من الساعات الأولى. في هذا السياق، تلفتُ الأخصائية النفسية التربوية جويل فغالي كميد، إلى «أنّ التداعيات النفسية تختلف بحسب نوعية فِعل الاغتصاب، هويّة المعتدي، والقوّة التي استُعملت لتنفيذ الاعتداء الجنسي».

وتوضح لـ«الجمهورية» المؤشّرات التي تُظهرها الضحية: «في المرحلة الأولى قد يعبّر الضحايا عمّا تعرّضوا له، فيبدون في حال غليان وفورةٍ دائمين، تصيبهم نوبات بكاء غير مبرّرة، قلقٌ دائم. وآخرون قد يدرسون ردودَ فِعلهم، كأنّ الأمور تسير على خير ما يرام. وفئة أخرى قد تتنكّر لِما أصابها، ولكنْ في الحقيقة تفقد تركيزَها وتعجز عن القيام بأمور كانت قد اعتادت تنفيذها يومياً».

وتضيف: «مِن بين المؤشّرات التي قد تبديها الضحية، هوَس الاغتسال المفرط، تراجُعٌ في التحصيل العلمي، العيش في الخوف، الإحباط، القلق، تقلّب المزاج، نزعة عدائية». وتشير إلى أنّ «بعض الذين تعرّضوا للاغتصاب يعيدون النظر في هويتهم الجنسية، ولا يتردّدون في أن يتحوّلوا إلى مثليين على المدى البعيد، أو إلى مدمني مخدّرات، كذلك قد يلجؤون إلى المهدّئات».

الحلّ؟

تنطلق كميد مِن تمسّك الضحية بأهمّية الاعتراف الشخصي، فتقول: «قد تشعر الضحية بالذنب، ولكن الأهمّ مصارحة الذات قبل المجتمع، والتأكّد من أنّ التعرّض للاغتصاب ليس نهاية الحياة، وألّا يُحمِّل نفسَه عبء المسؤولية». وعن الحلول المتاحة؟ تجيب كميد: «ننصَح بالعلاج النفسي، لأنّه يَمنح الشخص الشعورَ بالأمان، ويساعده على ترميم ما تهدّم من شخصيته.

وكمعالجين نساعده على تخطّي المشكلة وترميم الثقة الذاتية، ليعودَ ويتشجّع على الدخول في علاقات مع الآخرين». وتضيف: «نُفهّمه أنّ المعتدي مريض نفسي ولا يمكن تعميمُ صفاته السيّئة على الآخرين، والأهمّ من كلّ ذلك مساعدتُه لكي لا يتحوّل، لاحقاً، مِن ضحية اغتصاب إلى مغتصِب».

ناتالي اقليموس- الجمهورية

المصدر : جنوبيات