الأحد 22 آب 2021 11:38 ص

الانتخابات قد تؤجل.. وعون يريد إعادة تكوين السلطة بإشرافه


* جنوبيات

وصل لبنان إلى حال الشخص المعاقب الذي يقال له: أمامك خيارات ثلاثة لتسديد فاتورة عقابك. الخيار الأول: دفع 100 ليرة ذهب. الخيار الثاني: الرضى بأن تُجلد 100 جلدة. والخيار الثالث: التهامك 100 "قرن" حرّ.

وبطبيعة الحال يلجأ المرء إلى الخيار الثالث، متوهماً أنه قادر عليه. وما أن يبدأ التنفيذ حتى لا يتمكن من استمرار التهامه الحرّ، فيلجأ إلى الخيار الثاني. وما أن يتلقى 20 جلدة، يعلن تراجعه لصالح لخيار الأول: دفع 100 ليرة ذهب. وهكذا يكون قد سدَّد عقابه أضعافاً ثلاثة.

واستناداً إلى هذا المثل الشعبي الشائع، يمكن استقراء الوضع اللبناني الراهن، وسلوك القوى السياسية في تأجيلها مجابهة أزماتها وأزمات البلاد المتراكمة، حتى الانفجار المهول.

دعم.. لا دعم
وتتبارى القوى السياسية في خياراتها المتناقضة والمتدافعة. تارة تدفن رأسها في الرمال، وتراهن على الاستمرار بالدعم، ولو اقتضى ذلك صرف الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، وتأجيل مواجهة الأزمة الحقيقية لما بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. وفي الأثناء تستمر عمليات التخزين والتهريب وفقدان المواد الأساسية المدعومة من الأسواق، وكذلك الإمعان في إهانة اللبنانيين وإذلالهم.

وسرعان ما تنتقل مكونات السلطة إياها إلى خيار الرفع التدريجي للدعم: رفع تسعيرة الدولار التي يعتمدها المصرف المركزي، ليكون الرفع متدرجاً. وهذا في محاولة لتجنب الانفجار الكبير، وامتصاص الصدمة. على أن يترافق ذلك مع المعركة المفتوحة بين رئيس الجمهورية ميشال عون وحاكم مصرف لبنان، مدعوماً من قوى سياسية أخرى. فيكون هذا الصراع مجالاً لتنفيس احتقان الناس وإيهامهم بتحقيق الانتقام لهم.

انقلابات وتهم متبادلة
ومن هذه العقوبة المفروضة على اللبنانيين بعامل المزايدة الشعبوية والانتخابية، ثمة من ينقل المشكلة إلى مكان آخر كلياً: الرهان على تشكيل حكومة، وتعميم الأوهام حول القدرة على تشكيلها وقدرتها على إخراج البلاد من أزمتها، والولوج إلى برنامج إصلاحي حقيقي.

وسرعان ما تبدِّد الوقائع هذه الأوهام. وقائع التناتش المستمر على الحصص والحقائب والأثلاث المعطلة.

وما بين هذه الانقلابات التي يتبادل الرؤساء التهم باقترافها، ثمة من يخرج ليقول: الأزمة في الشعب. والشعب عليه أن يتحمل مسؤولية خياراته. ويخرج آخر معتبراً أن عمق الأزمة وأساسها هو هذا النظام الفاسد، الذي يسمح بالنهب ويقوم عليه، ولا بد من تغييره. وهناك ثالث يضع الأزمات المتوالية في سياقها الاستراتيجي الأبعد، ويعتبر أن البلاد أصبحت ساحة تجاذب خاضعة لخيارات الإقليم. والذي لا بد لتسوياته أن تنعكس على الواقع الداخلي، ولو بعد حين.

وفي ظل هذه الأزمات المتتالية، سيعيش اللبنانيون أياماً سوداء أسوأ من المعاشة حالياً. فمؤشرات الحل غائبة، وليس من بارقة  أمل واحدة.

تفاوض بالرسل 
وينتظر اللبنانيون خبراً جديداً لموعد لقاء جديد بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف، وما يمكن أن يحققه من نتائج معطوفة على تدخل فرنسي قد ينتج حلاً مستحيلاً، منذ إطلاق المبادرة الفرنسية قبل سنة وأكثر. ويسعى الفرنسيون بين عون وميقاتي للوصول إلى تفاهم.

لكن الخوف من إشاعة أجواء سلبية أو عقد لقاءات لا تؤدي إلى أي نتيجة، دفع بالرجلين إلى التفاوض عبر الرسل، وتحديداً عبر مدير عام القصر الجمهوري أنطوان شقير، وسط بقاء العقد على حالها، وعدم استعداد أي طرف لتقديم التنازل المطلوب.

انتخابات وشعبوية
وينتظر لبنان تداعيات وصول الباخرة الإيرانية إلى الشواطئ اللبنانية، وكيف سيعمل حزب الله على تفريغها وتوزيع حمولتها. فيما الأحداث المعيشية تسابق الجميع نحو التدهور الأكبر معيشياً واجتماعياً، وهو لا بد من أن ينعكس على الوضع الأمني.

وفيما تقود الحسابات الشعبوية القوى السياسية إلى التركيز على استحقاق الانتخابات النيابية، فإن الفوضى الاجتماعية وغياب الاتفاق السياسي، قد يطيحان الانتخابات، وآلية إعادة تشكيل السلطة. فيصبح البلد أمام خيار من اثنين:

إما تعطيل السلطة إلى ما بعد نهاية ولاية الرئيس في انتظار حصول صفقة كبرى. وإما تعطيل الاستحقاقات في ظل ولاية الرئيس، الذي يريد أن يشهد تكوين السلطة بإشرافه ووفق ما يشتهي. فيكرر تجربة العام 1976، عندما انتخب الياس سركيس قبل 6 أشهر من موعد انتهاء عهد الرئيس سليمان فرنجية.

المصدر :جنوبيات