هناك أقوال مأثورة يخلدها التاريخ وأخرى رغم تكرارها لا تستقر في الاذهان. وهناك رجال عظماء نستذكرهم على الدوام وآخرون مهما فعلوا لا يدخلون حيز الحسبان.
ويبقى المعيار الأوحد الخطاب المفصلي الذي يصلح في كل آن.
مَن يأخذ من المدارس والنظريات القديمة والحديثة زبدتها ويجهد ليصبح رجلا عظيما أو يحاول صنع النموذج قد يتهاوى أمام قائد وُلدت معه سمات القيادة بالفطرة.
وإن حُسم الموضوع بأن هذه الأخيرة تكتسب وتُعلّم، تبقى فرضية ربط القدرة على القيادة بمؤهلات الفرد ومهاراته الذاتية الخاصة قائمة على أن يتم العمل على تنميتها وإيجاد الظروف الملائمة لبلورتها.
فبالإضافة إلى السمات الجسدية المطلوبة والتمتع بهيئة حسنة نظرا لأثرها في الجمهور، لا بد من توفّر قدرات عقلية واستعدادات ذهنية وفكرية لدى القائد ترتكز على هندسة التفكير والتوقع والتحليل وابتكار الحلول...
كما لا بد من أن يمتلك ثقافة واسعة وشجاعة تمكّنه من حسم الأمور واختيار الأنسب من بين البدائل. لأن هذا الاختيار الواعي الذي يوازن ما بين الإيجابيات والسلبيات وما يترتب عليه من نتائج هو القرار الفيصل(الفصل).
لا عجب أن تتصلب الأعناق نحو الشاشات وتخفت الأصوات فجأة... أن تشرئب الأنظار وينصبّ جُل اهتمام الكبار والصغار نحو شخص ما... أن يلوح طيفه فتتأهب الروح لاستقباله...
فالخطيب هو قائد الأمة.
مما لا شك به أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله يتمتع بمؤهلات فكرية وثقافة واسعة واطلاع ومعرفة كبيرين... ينتظر إطلالته الخصم والحليف ويحلل عباراته ولغة جسده العدو قبل الصديق. هو من القادة النادرين الذين يحملون النصر على أكتافهم والمحبة في قلوبهم.
أخذ من الدين سماحته ولينه، ومن الميدان شجاعته وبأسه. هو القائد، الأب الروحي، النموذج، الخطيب البليغ، المثقف، الأمين، الصبور...
تزدان به الخطابة كونها تعلم مكامن قوته. يشدُّ المشاهد والمستمع إلى حديثه من الكلمة الأولى انطلاقا من هيبة حضوره وموقفه وشجاعة عناصره الذين لا ينفك يعوّل عليهم.
حين يخطب يؤثر في الجمهور حتما. يطوّع العبارات كما يشاء لإيصال الفكرة. يقنع المتابعين بكلمات بسيطة غير متكلفة، وبتواضع لا نظير له يفسّر المفاهيم والمصطلحات. يقدّم البراهين والأمثلة لإثبات وجهة نظره، يكبت غيظه وغيظ جمهوره بخطاب واحد ولو قُدر ان اتفقت الأمم على ضبط هذا الشارع لفشلت.
بموهبته في التحدث وطلاقة لسانه وصوته الحسن يعلم متى يستميل المتابعين ومتى يؤجّج مشاعرهم وعواطفهم تجاه الغاية التي يرسمها معتمدا على المنطق لإقناع الآخر بحجته وسداد رأيه.
بخبرته السياسية وصدقه المعهود يرسم المعادلات الجديدة وفق البعد الزمكاني وآلية الاعلان عنها.
في خطابه الداخلي هدوء يُشهد له تخرقه الروح المرحة والدعابة الراقية، خلا لحْظِه أحداثا قاسية يرميها بنبرات حادة فيتلقف الخصم الرسالة ويتجنب تكرارها.
وفي خطابه الخارجي احترام للصديق واستخفاف وتهديد وصرامة حادة للعدو كلما اقتضت الحاجة وبوتيرة مدروسة.
هو رجل وطني سيد عظيم لا نظير له جمع بين السياسة والدين وكسر النمطية لدى رجال الدين فأسس لعلاقة متميزة مع جمهوره بحيث باتت توصياته خطوطا حمراء يتمنعون أخلاقيا عن تجاوزها، ليس خوفا من غضبه بل حبا به وخجلا من إزعاجه والإساءة إليه.
نجح في وظيفته الدينية ودوره السياسي البارز شاهد على حنكته وسعة صبره وبصيرته. اكتسب محبة واحترام الجمهور والمتابعين على حد سواء حتى بات مثلا أعلى وقائدا عالميا مقاوما يحتذى به.