أغلب الظن يكاد يكون حصار قيصر قد سقط مع لحظة إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن ابحار السفينة الإيرانية الأولى المحمّلة بالمازوت لمساعدة لبنان واعتبارها أرضًا لبنانية كنوع من انذار للأعداء بعدم التعرض للسفينة وإلا فحرب أو رد لا يستهان به سيكون بالمرصاد من قبل محور المقاومة.
وعلى الرغم من هذا الإعلان "المفاجأة" الذي أطلقه السيد نصرالله والذي رحبّت به الأغلبية الساحقة من اللبنانيين من الذين ضاقوا ذرعًا من الحصار والفساد وطوابير الذل أمام محطات البنزين وفقدان المازوت وانقطاع الكهرباء إلا أنه على المقلب الآخر جاء هذا الإعلان كالقنبلة على رأس الإدارة الأميركية بدءًا من سفارتها في بيروت وصولاً لأصغر متآمر على الشعب اللبناني فهم لربما لم يتوقعوا أن يذهب السيد نصرالله في مواقفه إلى الحدّ الأقصى جرأةً وشجاعةً لاسيما في خطابه الأخير حين أعلن عن سفن أخرى ستتوافد من إيران لمساعدة لبنان، فكانت المفاجأة الكبرى الإشارة إلى إمكانية استقدام شركة نفط إيرانية للتنقيب عن النفط في حال لم يتم العمل سريعًا على استخراجه من قبل شركات أخرى مؤكدًا على أحقية لبنان في الاستفادة من النفط والغاز في البحر اللبناني.
هذا الإعلان الصاعقة بالنسبة للشركات الأجنبية الأخرى - ولا سيما الفرنسية منها - التي تسن أسنانها للاستحواذ على ثروة لبنان النفطية لن يمر دون تحرك الشركات الأجنبية وضمنًا الدول الكبرى مثل أميركا وفرنسا وروسيا لتقسيم كعكة الثروة النفطية والنفوذ في بحر الشرق الأوسط وبحث أَمن الكيان الإسرائيلي وسط كل ما يستجد.
عليه، فإن الأيام القادمة سترسم فعليًا مسار المنطقة وحتمًا سيلد من رحم تطورات الأحداث في هذه المرحلة شرق أوسط جديد يحكمه من ينتصر في إدارة الأزمات الآنية ويثبت قدراته سياسيًا واقتصاديًا وإن لزم الأمر عسكريًا أيضاً.
بالتالي هناك سيناريوهات منطقية قابلة للتحقق ومن الجدير التفكير بجدية بها. السناريو الأوّل: يتوقع أن تتسارع الدول الأجنبية وعلى رأسها أميركا لمنافسة إيران في إدارة الأزمات في لبنان خدمةً لمصالحها، مما سيلغي تلقائيًا مفاعيل الحصار الذي فرضته الإدارية الأميركية على لبنان وسوريا. وهذا يعني أولاً إعطاء الضوء الأخضر للدول العربية والأجنبية لتقديم المساعدات للبنان وسوريا لمنع أي دور بطولي لإيران على المستوى الشعبي وفي التوظيف السياسي، وثانياً البحث جديًا بموضوع تلزيم إحدى الشركات الأجنبية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية اللبنانية.
أمّا السيناريو الثاني ففي حال نفذت جعبة أميركا من عناصر وأدوات الانتصار في الحرب الباردة وتهورت في استهداف السفن الإيرانية المحمّلة بالمساعدات للبنان أو حتى لسوريا في منطقة الشرق الأوسط. ففي هذه الحالة يتوقع الذهاب نحو الصدام المباشر عسكريًا بين معسكر أميركا وإسرائيل من جهة وبين معسكر إيران ومحور المقاومة من جهة أخرى. وهنا لا بدّ من التساؤل عن كيفية رد محور المقاومة وايران على ذلك التهور وعمّا اذا كانت أميركا وإسرائيل تستطيعان تحمّل ردًا حاسمًا ومؤذيًا والمخاطرة بوجودهما في منطقة الشرق الأوسط في ظل كل ما يجري؟
ففي نهاية المطاف ما يجري في المنطقة من حصار وتطورات يبشر بتغيرات ستحصل بلا ريب في موازين القوى، وينذر من سقوط قوى على حساب صعود قوى جديدة في منطقة الشرق الأوسط وهذا يتطلب رؤية شاملة للمجريات مع فائق الوعي والجهوزية.
فهل تستدرك أميركا وحلفاؤها خطورة استمرار حصار قيصر أو أن السحر انقلب على الساحر حقًا، والفوز لإيران وحلفائها في نهاية المطاف؟ هذا السؤال يبقى جوابه رهن الأيام القادمة ورهن وصول السفينة الإيرانية الأولى وتبعات إدارة ذلك للأزمات في المنطقة.