تأبى الجغرافيا إلاّ أن تحفظ التاريخ، ليس على مستوى الشعوب فقط، بل الأفراد أيضاً. 

 وعلاقتي بالوزير الراحل فاروق البربير هي من هذا النوع... جغرافيا حفظت التاريخ. 

فالبيت الذي أقيم فيه منذ الطفولة في شارع السادات في  رأس بيروت يقع على مسافة واحدة بين منزل    الراحل العزيز ومكتبه في مجلة "تاريخ العرب والعالم" ، والتي تميزت بأنها رغم ظروف لبنان الصعبة استمرّت بالصدور لعقود طويلة. وكثيراً ما كنت أنتقل بين مركز دراسات الوحدة العربية وعلى رأسه الراحل العزيز د. خير الدين حسيب ،في الشارع ذاته يومها ، وبين مكتب الوحدوي فاروق البربير، لنتداول في شؤون البلاد والعباد، وليبقى همّ الوحدة الوطنية والعربية 

حاضراً في تلك الحوارات. 

 هذه الجغرافيا مكّنت لتاريخ علاقتي بالرجل ان تتوطد، وهو الذي يعود سماعي بإسمه  الى أوائل  الخمسينات من القرن الماضي  كواحد من اوائل البعثيين في الجامعة الأميركية ولبنان. ،ثم كرفيق للرئيس الراحل الدكتور عبد الله اليافي في تحرير جريدة "السياسة" التي لعبت دوراً تاريخياُ في إسقاط حلف بغداد ومشروع ايزنهاور في أواخر الخمسينات.

 عاد اسم فاروق البربير ليحتل واجهة العمل السياسي والإعلامي حين أصدر مجلة "تاريخ العرب والعالم" التي جمعت بين النكهة الصحفية والمادة العلمية فأغنت المكتبة العربية وعززّت من ثقافة المتابعين لها، وكانوا كثراً من المحيط الى الخليج.

 يوم عين وزيراً للتعليم المهني اواخر تسعينات  القرن الماضي فوجئ كثيرون باختياره من خارج المحاصصة المعروفة، ولكن عارفي تاريخه القومي العريق، وتاريخه الوطني الغني، لم يفاجأهم الامر  ،ف فاروق البربير جسد في مسيرته الفكرية والإعلامية والسياسية والنضالية روح مدينته بيروت، منارة الإشعاع الحضاري والالتزام الوطني والقومي، بل روح  عائلته التي قدّمت للبنان بعض ألمع الاسماء في عالم الطب والعلم والعروبة.

 رحمه الله والهم عائلته الكريمة وزوجته الفاضلة العزاء والصبر.