الأحد 19 أيلول 2021 09:52 ص |
الأسير الحر يعقوب قادري نبش مع رفاقه النفق والذاكرة ونفض الغبار عن وجه قريته “المنسي” |
* عماد سعادة بعد لقائها بأسير نفق الحرية، يعقوب قادري، أحد الاسرى الاربعة الذين اعاد الاحتلال اعتقالهم، قالت محامية هيئة شؤون الاسرى، حنان الخطيب، بانه قد اقشعر بدنها حينما حدثها يعقوب عن سعادته لتمكنه من التجول في قريته “المنسي” في جبال الكرمل، التي هجرت منها عائلته عام 1948، وتمكنه من تذوق ثمار البوملي والتين والصبر والبرتقال من بساتين المنطقة. ويبدو ان قادري ورفاقه الخمسة، لم يتمكنوا من نبش تراب النفق فقط، بل ونبشوا ذاكرة شعب بأكمله وايقظوا فيه الحنين لذلك الجزء الكبير والغالي والجميل من الوطن الذي سلب عام 1948، ونُكب اهله وشردوا الى شتى بقاع الارض، واصبح مجرد دخوله مجددا ولو للحظات واستنشاق هوائه العليل وتناول بعضا من ثماره يستحق المجازفة. ومن الواضح ان الكثيرين لا يعرفون الكثير عن قرية المنسي المدمرة قضاء حيفا، والتي أنست قادري آلام ومعاناة وقهر نحو عشرين عاما متواصلة قضاها في سجون وزنازين الاحتلال.
ويقضي قادري المولود عام 1972 في قرية بئر الباشا، جنوب جنين، والمعتقل منذ العام 2003 حكما جائرا بالسجن المؤبد مرتين و35 عاما، وهو يؤمن بأن حريته حق لن يتنازل يوما عن انتزاعه حتى لو كان ذلك عبر الهرب مجددا. ويقال بان اصل تسميتها يعود إلى اسم أحد الأولياء الصالحين المتصوفين والملقب بـ”المنسي” الذي حفر عينًا في تلك المنطقة سميت باسمه، فتقربًا منه أطلق اسمه على المنطقة المحيطة به، والتي ضمت بيوتًا متناثرة كانت بمثابة النواة للقرية. وفي دراسة بعنوان “المنسي/ حيفا.. دراسة سوسيولوجية لحالة قرية فلسطينية تأبى النسيان”، للباحث والمؤلف عزمي أحمد منصور الذي ينحدر من ذات القرية (المنسي) يقول منصور بأن المنسي هي احدى قرى قضاء حيفا، وهي كباقي قرى فلسطين، قرية واعدة، ارضها معطاءة، فهي تقع على اراضي مرج ابن عامر، وهو اغنى السهول الداخلية الفلسطينية، سكانها بسطاء، تسود بينهم علاقات القربى والمصاهرة، يحلمون كباقي شعوب الارض بالحرية، خاصة بعد الظلم التركي في نهاية الحقبة العثمانية وسيطرة الطورانية على الحكم، لم يرتاحوا من ظلم المستعمر الاول حتى استفاقوا على ظلم مستعمر اكثر بشاعة ووحشية، انهم الانجليز الذين فرقوا البلاد، فبعد ان كانت فلسطين سوريا الجنوبية اصبحت اقليما مسلوخا عن باقي مناطق الوطن الكبير تحت الانتداب الانجليزي، والمناطق الاخرى بعضها تحت الانتداب الفرنسي انها معاهدة سايكس/ بيكو التي فرقت ارجاء الوطن الواحد. ويضيف بأن الشعب الفلسطيني لم يبتل بهذه المعاهدة فقط، فقد ابتلي ايضا بوعد بلفور، الوعد الجائر الذي اعطى ارض شعب لمن لا يستحق من عصابات دخلت خلسة وفي غفلة من التاريخ وبتشجيع بريطاني، فعاثت هذه العصابات فسادا واجراما، مدعية بخرافات واساطير بحق تاريخ مزعوم.
ويشير منصور الى ان المنسي من القرى الكبيرة في مرج ابن عامر، وتبلغ مساحتها نحو 17 ألف دونم. وبلغ عدد سكانها عام 1945، (1200 نسمة)، منهم (1180 مسلما) و(20 مسيحيا) مسيحيا حسب احصائية الانتداب البريطاني. وقد خاض اهالي المنسي مقاومة باسلة ضد العصابات الصهيونية الى جانب جيش الانقاذ بعد دخوله الى فلسطين وقد اصبحت القرية قاعدة لعملياته، ولكن بعد رجحان الكفة لصالح عصابات الاحتلال بدأ نزوج اهالي المنسي الى قرية اللجون المجاورة ثم الى قضاء جنين، واصبح اهلها يفترشون الارض ويلتحفون السماء وعيونهم ترنوا الى مرج ابن عامر والى جبال ام الفحم التي تقبع بلدتهم خلفها، ولم تعد القرية الوادعة وادعة، واصبحت الاحلام الجميلة كابوسا. ويتابع منصور بان انتظار اهالي المنسي في العودة الى بلدهم قد طال، وبات الامل يخبوا رويدا رويدا والغضب يشتعل أكثر فاكثر مع مرور الايام، وباتت القرية ذكرى في النفوس والوجدان يتم التحدث عنها بمرارة وآهات. وقد اصبح اعزاء الارض يفترشون الارض ويلتحفون السماء، ويبحثون عن اشجار تأويهم من حر الصيف او مغاور تقيهم رد الشتاء وقد طالت بهم رحلة العذاب فقذفتهم الى جنبات سهل مرج ابن عامر. وعلى هذه التلال في منطقة جنين بدأ يتشكل وضعهم الجديد كلاجئين، فسكنوا في كفر دان وفي سهول برقين وجنزور وقباطية الى ان استقر بهم المطاف في المخيمات التي انشأتها وكالة الغوث الدولية “الاونروا” في مدن الضفة، ومنهم من وصل الى العراق والى كل انحاء الارض يلوكون الالم والحسرة خاصة وان المنسي اصبحت مدمرة وشطبت من التاريخ والجغرافيا، واصبح على جزء من ارضها مستعمرة غريبة تدعى “مدراخ عوز” واقيمت عام 1952. المصدر :القدس - دوت كوم |