الاثنين 4 تشرين الأول 2021 14:46 م |
طلاب لبنان هاربون من جهنم لبنان إلى فرنسا |
* سمار الترك الألوان البشرية تتكاثر وتتوسع في فرنسا بشكل كبير وملحوظ،خصوصا في النصف الجنوبي القريب من أفريقيا وبلدان الشرق الاوسط. لم تعد شوارع مدن البحر المتوسط أو حتى الداخل الفرنسي تشهد عرقا واحدا يسودها، فالتنوع المتسارع يكاد يجعلها مشتلا من كل الأجناس. لكن هذا التنوع والتشكل لا يحدث عبئا أو ضررا بقدر ما يشكل غنى للمجتمع الفرنسي بسبب الضوابط القانونية الصارمة التي تنظم الحياة العامة والنشاطات السياسية والإقتصادية والتربوية والثقافية وغيرها، في ظل الحضور القوي للدولة والسلطة الفرنسية في كل المناحي والمجالات. معلوم أن هناك جاليات كبيرة في فرنسا من القارة السمراء ومنها دول المغرب العربي التي ينتشر أبناؤها في كل أنحاء الجمهورية وينشطون في كل المجالات. ومما لا شك فيه أن من بلدان غربي آسيا تبرز الجالية اللبنانية نظرا الى العلاقات التاريخية بين لبنان وفرنسا، والتي مرت بمراحل متعددة ليتوسع الحضور اللبناني في كل أنحاء فرنسا ولا يقتصر على فئة أو طائفة معينة، ويتعزز بشبابه وطلابه الذين تكاثر عددهم في العقود الثلاثة الأخيرة بشكل ملحوظ. وفي ظل الأزمة الإقتصادية المريعة التي يعاني منها لبنان اليوم تلمس بقوة هجرة الشباب اللبناني الى فرنسا باعداد ملحوظة هربا من الجحيم الذي أسقطته السلطة على رؤوسهم. طلاب وطالبات تركوا وطنهم قاصدين العلم في مختلف المدن الفرنسية بتحويشة العمر التي لا تتجاوز مئات من «اليورو»، أملا في العمل بأي وسيلة ممكنة للتمكن من متابعة تحصيلهم العلمي بالحد الأدنى من العيش. مهجرون إلى أرجاء العالم طلباً للعلم هؤلاء رغم الصعوبات الكبيرة التي يواجهونها مصممون على المغامرة والتحدي بكل عزم ، لإدراكهم أن الفشل والعودة الى لبنان تعني الرجوع الى جهنم التي بشرنا بها العهد وأغرقنا فيها. صبايا وشباب قادمون الى ربوع فرنسا وهم خاليو الوفاض، لا مال ولا ضمانات ولا من يسأل. تزودوا بما تمكن أهلهم من جمعه بالسراج والفتيلة لشراء «تيكيت» السفر ومبلغ متواضع من العملة الصعبة لكفاية شهر أو شهرين أملا في تدبير الحال أو انفراج يحلمون به. ميساء طالبة من الجبل لم تكمل الثامنة عشرة من عمرها، تقول: «أهلي ساندوني ونحن أفضل حال من غيرنا لكن تأمين العملة الصعبة غير ميسر وبات مكلفا، لكنني صممت على الرحيل والمجيء الى فرنسا لأكمل علمي وتزودت بالمستطاع، وها أنا احسب الآن مصاريفي بالـ«يورو» الواحد، وأدقق في تنظيم مصروف الأكل والنقل ليكفيني المبلغ الذي تزودت به لشهرين، عدا عن إيجار الغرفة التي سأسكنها. أنا مصممة على العمل بأي مجال ولن أتردد في قبول أي شيء. أريد أن أضمن بقائي هنا مهما كلف الامر، خصوصا أنني أدرك صعوبة تأمين المال من لبنان، ولن التفت الى الوراء». مهى طالبة أخرى اتفقت مع أصدقاء في لبنان وآخرين تعرفت عليهم في «مونبيلييه - فرنسا»، يعيشون أربعة في غرفة ويتعاونون لكي ينطلقوا في مغامرتهم بعد أن أقفلت في وجههم آفاق العلم في البلد الذي كان يقال عنه بلد الإشعاع والنور. تقول: «بدأت من الآن التفتيش عن عمل، وأقسّم وقتي بين الجامعة والدرس ورحلة العذاب بسبب قلة فرص العمل في فرنسا اليوم كما في كل البلدان بعد جائحة «كورونا» وما أحدثته من نتائج اقتصادية كبيرة. لن أيأس فالعذاب هنا يهون على ما عانيته في بلدي وما يعانونه أهلي الذين افتقدهم كثيرا». ولا يأمل هؤلاء الطلاب من دولتهم اي شيء، فقانون «الدولار» الطلابي الذي أقره المجلس النيابي بكل كتله وصدر منذ شهور وضع في سلة المهملات وبقي حبرا على ورق. ولا يستطيع الأهل في ظل الوضع المستمر بالتفاقم أن يؤمنوا لاولادهم الحد الادنى من المال، لذلك يسعون بالتعاون مع طلبة قدامى وأصدقاء جدد الى التفتيش عن أي عمل كما فعل شاب لبناني منذ سنة حيث يعمل في مقهى ويدرس الهندسة، يقول عامر: «لقد تعايشت مع هذا الوضع، وها نحن أصبحنا ثلاثة عمال لبنانيين في هذا المقهى وكلنا في الجامعة في كليات مختلفة في هذه المدينة الجميلة». باختصار، المعاناة طويلة وشاقة للشباب اللبناني ضحية حكام لبنان والمافيات التي سرقت البلد ونهبت امواله، وها هم اليوم في عهد جهنم يدفعون ضريبة قاسية وكبيرة مهجرين إلى أرجاء العالم طلبا للعلم والعمل بأي ثمن، بعد أن ارتفع سعر كل شيء في لبنان إلا الإنسان. المصدر :اللواء |