الثلاثاء 12 تشرين الأول 2021 08:50 ص

فيروز خدعت أحمد الأسير


* زياد عيتاني

لم أكن يوماً من مؤيّدي الشيخ أحمد الأسير، ولا من متابعي خطاباته وتحرّكاته ونشاطاته، من الرحلة إلى فاريا واللعب بثلجها الأبيض، وصولاً إلى قطع الطريق الدولية بين بيروت وصيدا ونصب الخيم الاحتجاجيّة عليها.

شكّلت تجربة الشيخ الأسير بالنسبة إليّ مغامرة متهوّرة تلامس الحمق تشبه كلّ مغامرات مشايخ السُنّة عندما يقرّرون خوض غمار تجربة الميليشيا المسلّحة، بدءاً من الشيخ سعيد شعبان زعيم حركة التوحيد في طرابلس عام 1982، مروراً بالشيخ عبد الحفيظ قاسم ومجلسه العسكري في بيروت عام 1983، وانتهاءً بالشيخ أحمد الأسير في صيدا، مع اختلاف النهايات بالشكل وليس بالمضمون بالنسبة إلى التجارب الثلاث المذكورة.

كنت ألمح النهايات، التي تنتظر حركة الشيخ أحمد الأسير، واستحالة الوصول بها إلى شاطئ الأمان، بوجود ثلاثة أعداء يتربّصون بالأسير وحركته:

1- سُنّة صيدا: كان الشيخ الأسيرعاملاً مزعجاً لكلّ الأطراف السنّيّة الصيداوية، من تيار المستقبل والنائب بهيّة الحريري، إلى النائب أسامة سعد رئيس التنظيم الشعبي الناصري، وحتى الجماعة الإسلامية وجدت تجربتها بالشكل والمضمون تتمّ مصادرتها من قبل الشيخ الأسير.

2- حزب الله: ما كان حزب الله قادراً على تمرير "الحالة الأسيرية" من حيث الزمان والمكان. فهي جاءت مترافقة مع نشوب الثورة السورية، الأمر الذي جعلها عاملاً مؤثّراً في نقل الصراع إلى لبنان ما بين سُنّة وشيعة. يُضاف إلى ذلك أنّ وجود هذه الحالة في صيدا، التي تُعتبر بوابة الجنوب، أمر لا يمكن قبوله أمنياً ولا عسكرياً بالنسبة إلى الحزب ومنهجيته الأمنية في التفكير.

3- الشيخ أحمد الأسير: الصفات الشخصية للشيخ أحمد الأسير وطبيعته العصبيّة كانت أبرز المتربّصين به، بمعنى أنّ الشيخ أحمد الأسير هو أقسى الأعداء للشيخ أحمد الأسير، ولعلّ ذلك كلّه يعود إلى ضعف الخبرة السياسية والحنكة في نسج التحالفات ومواجهة الخصوم. واتخاذ القرارات الصائبة في اللحظات الحرجة.

.. كلّ ما سبق لا يمكنه بأيّ شكل من الأشكال تبرير الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية بالأشغال الشاقّة المؤبّدة بحقّ الشيخ الأسير، وبالإعدام بحقّ زميلين له في الدعوى الخاصة بأحداث عبرا.

لو افترضنا جدلاً أنّ الشيخ الأسير قد تعمّد مواجهة الجيش اللبناني، فأدّى ذلك إلى مقتل عناصر من الجيش ومدنيّين، بعيداً عن السؤال الأساس الذي لم يُجِب عليه أحد في المحكمة العسكرية، وهو: مَن أطلق الرصاصة الأولى؟ ولماذا رفضت المحكمة عرض أشرطة فيديو حول الرصاصة الأولى التي قدّمتها هيئة الدفاع عن الأسير؟ فهو وفقاً لكلّ الوقائع قد ارتكب جريمة، لكن من المؤكّد أنّها ليست أكبر من جرائم أصدرت فيها المحكمة العسكرية نفسها أحكاماً لم تلامس الأحكام الصادرة بحقّ الشيخ الأسير ورفاقه. ولعلّ أبرزها:

أ- دعوى التخطيط لأعمال إرهابية وتفجيرات تطول مساجد وكنائس وقتل رجال دين وسياسيين بحقّ الوزير السابق ميشال سماحة:

المحكمة العسكرية حكمته بثلاث سنوات سجنية كانت قد انقضت بتاريخ 15/1/2016. ثم محكمة التمييز بناء على طلب الادعاء، حكمت بسجنه 13 سنة بتاريخ 8/4/2016.

ب- دعوى العمالة لإسرائيل وتعذيب وقتل لبنانيّين في السجون الإسرائيلية بحقّ اللبناني عامر الفاخوري الحامل للجنسيّة الأميركية:

أصدرت المحكمة العسكرية في لبنان، حكماً قضى بكفّ التعقّبات عن الموقوف عامر الفاخوري، في قضية خطف مواطنين لبنانيين واعتقالهم وتعذيبهم داخل سجن الخيام، الأمر الذي أدّى إلى وفاة اثنين منهم. واعتبرت المحكمة في حكمها، الذي حمل الرقم 515/2020، أنّ الجرائم المسندة إلى المتّهم عامر الفاخوري، لجهة تعذيب سجناء في عام 1998، سقطت بمرور الزمن العشري، وقرّرت إطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفاً في قضية أخرى.

ج- دعوى العمالة لمصلحة العدوّ الإسرائيلي بحقّ القيادي في التيار الوطني الحر فايز كرم الموثّقة بالصوت والصورة والاعتراف وهي عمالة رافقت عدة حروب اسرائيلية ضد لبنان مما أدّى إلى قتل الالاف من اللبنانيين.

أُوقِف في آب 2010، وقضت محكمة عسكرية في الثالث من أيلول من نفس العام بسجنه ثلاث سنوات بتهمة التعامل مع إسرائيل من عام 1982 حتى 2010، لكنّ الحكم خُفِّض إلى سنتين مع الأشغال الشاقّة والتجريد من حقوقه السياسية سبع سنوات.

نماذج قليلة من خزانة ممتلئة بالأحكام القضائية العسكرية، تستوجب السؤال السهل الممتنع: لماذا إذاً المؤبّد والإعدام للشيخ الأسير ورفاقه فيما الأحكام المخففة لجرائم قتل وارهاب قام بها آخرون؟ الجواب ربّما يمتنع الكثيرون عن الإجابة عليه، لكنّهم يعرفونه لسهولته.

الشيخ أحمد الأسير ورفاقه حُكِموا بالمؤبّد والإعدام لأنّهم ينتسبون إلى الطائفة السُنّيّة المصنّفة، وفقاً للمنظومة السياسية والأمنيّة والقضائية في لبنان، طائفةً إرهابيّة.

ارتكب الشيخ أحمد الأسير حماقة كبرى، عندما اعتقد أنّ بيع منزله لجاره والتقاط الصور معه أو التزلّج واللعب مع العائلة على الثلج في قرية مسيحيّة، سيجعله مقبولاً من شركائه في الوطن. لقد سقط الشيخ الأسير ضحيّة أوهامه اللبنانية التي تربّى عليها كما تربيّنا كلنّا في كتب القراءة المدرسيّة أو في أغاني الأخوين الرحباني بصوت السيدة فيروز.

حكاية الشيخ الأسير كحكاية الكثيرين من بني قومه، كحكاية زياد الحمصي وكيندا الخطيب، أو الشيخ أحمد عبد الواحد وصورة عمامته الملطّخة بالدماء على مقعد سيارته لا تزال في البال. فيما لا أحد منّا يعلم ما هي العقوبة التي نالها من أطلق النار عليه.

المصدر :أساس ميديا