الثلاثاء 23 آب 2016 11:54 ص

التطريز الفلسطيني بين بيرزيت وبيروت… مطرزات فلسطينية على “شرفة” دار النمر


* نور حوراني

واجه التطريز الفلسطيني خلال العقود الماضية تحولات غنية وحيوية، تخطت ما عرفه من حياة ثرية قبل العام 1948، مساهماً في صياغة أشكال من الهوية الوطنية القائمة على التراث، ومن المقاومة والكفاح، مشكلاً قوة اقتصادية ناشئة، وتحدياً للعنف البنيوي والثقافي لما سمي بدولة “إسرائيل”.+

ولطالما تميزت المناطق الريفية بالتطريز، إذ أن النساء الفلسطينيات كن يتعلمن هذه الحرفة منذ نعومة أظافرهن، حتى باتت الخصوصية الجغرافية للتطريز تشكل مفتاحا أساسيا للإبحار عبر غنى الأنماط والزخارف والأقمشة التي تمثل ملامح الأثواب الفلسطينية.

كان لكل قرية أسلوبها الخاص، وبات لكل قرية تصاميها المنفردة عن غيرها من التصاميم، وحرصت الأمهات على نقلها إلى بناتهن، وهكذا انتشرت عبر الأجيال.

لكن التطريز لم يقف عند ذلك الحد، بل تعدى ذلك لينفرد ببعض التغيرات والإضافات الطفيقة، إلى درجة أصبح يعكس لغة لها قواعدها ومعانيها الخاصة.

 

 

ولا يزال التطريز مورد رزق لفئة كبيرة من النساء في فلسطين ومخيمات الشتات، وكل الفلسطينيات في العالم. واليوم تطورت هذه الحرفة أكثر من ذي قبل لتتلاءم مع خصائص البيئة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الفلسطيني تحديدا، والمجتمعات المتنوعة بشكل عام. وقد رافق هذا التطور ابتكار نماذج جديدة ذات قيم جمالية عالية مستوحاة من أصالة هذه الحرفة.

هذا الفن لم يعد بعيدا عن لبنان، فاليوم تستضيف “دار النمر” من خلال مشاركة المتحف الفلسطيني في بيرزيت في فلسطين، أول معرض خارجي للمتحف الفلسطيني (افتتح بتاريخ ٢٥ ايار/مايو ٢٠١٦ ويستمر لغاية ٣٠ تموز/يوليو ٢٠١٦)، بعنوان “أطراف الخيوط: فن التطريز الفلسطيني في سياقه التاريخي” من إنتاج ريتشل ديدمان، ويتناول التطريز الفلسطيني من منظور مختلف وجديد، ليلقي الضوء على تطوره كتراث قومي وأداة نضال ومقاومة وقوة إقتصادية وليدة، وكمصدر إلهام دائم وأساسي لفنانين ومصممين معاصرين.

ولإنعاش أبرز الحرف القائمة على التطريز، خصص الدار يوما للتّسوق، على شرفته، ويفتح أبوابه أمام الزوار اللبنانيين والفلسطينيين والأجانب والسائحين عامة، للتعرف على هذه الحرفة الثقافية واقتناء البضائع من ثياب، شالات، أقمشة، محافظ واكسسوارات أيضا. كلها تحتوي على نقوش وزخرفات التطريز الفلسطيني المتميز بالألوان الزاهية، فضلا عن الإستمتاع بحكايا التطريز من خلال شاشات صغيرة تعرض قصص عن نساء لم يتركن هذه الحرفة، بالاضافة الى الطعام الفلسطيني.

ولم يقف الدار إلى هذا الحد، بل استعان بخبرات مصممي أزياء من اسبانيا لمشاركة أبرز الجمعيات التي شاركت بالمعرض، من أجل دمج الألوان وتنويع النقوش والتصاميم لتتلاءم مع العصر الحديث.

 

عن دار نمر

 

 

تقع دار النمر في مبنى ساحر، عبارة عن فيلا تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، تم بناؤه على يد المهندس المعماري لوسيان كافرو. وهو من المباني الأولى في بيروت التي اعتمد في بنائها نموذج “الدومينو” الذي ابتكره لو كوربوزييه، ما جعله ملائما بالكامل للترميم. ويضم المبنى مساحة للعروض، ومكتبه، وقاعة للمحاضرات، ومكاتب ومقهى. مع افتتاح دار النمر للفن والثقافة يكون قد تم الحفاظ على هذا المبنى التاريخي، وأعيد إحياؤه كمساحة عامة تفاعلية ومتاحة للجميع.

ويسعى الدار ليكون فضاءً عاماً ومفتوحاً يساعد على تنمية سبل التعاون بين المجتمعين المحلي والعالمي. كما تسعى المؤسسة إلى تعميق الوعي التاريخي والنضوج الفكري من خلال مساهمات المتخصّصين والكتّاب والمؤرخين والفنانين والموسيقيين والسينمائيين في الإنتاج الثقافي، الذي يتفاعل مع القضايا الاجتماعية والتيارات السياسية التي تلعب دوراً في تشكيل المنطقة.

 

المؤسس وصاحب المجموعة الفنية

 

 

ولد رامي النمر في نابلس، في فلسطين، وبدأ شغفه بجمع الأعمال الفنية في سن مبكرة. تضم مجموعته أعمالا تعبر عن هوية متعددة الأوجه وراسخة في فلسطين. والأهم أنها تعيدنا بالذاكرة إلى زمن كانت فيه الحدود مفتوحة ومن دون عوائق، وكان مسار التبادل الثقافي للفنون والأفكار خاليا من العراقيل.

نمت مجموعته لتكون احتفالا تذكاريا يروي قصة البقاء والصمود في وجه محو الذاكرة وتشويه الهوية. لم يكتف رامي النمر بزيادة مجموعته الخاصة، بل رغب أيضا في مشاركة الآخرين بها، اذ أسس “دار النمر” في العام 2015 للتشجيع على فتح نقاش سليم حول القطع التي تتضمنها المجموعة، وللتفكير في سردية جديدة للمنطقة العربية تكون أكثر تماسكا وشاملة للجميع. كما أنه أطلق المجموعة الفنية الخاصة بمصرف “فرست ناشونال بنك” FNB في العام 2009، وهو عضو في مجلس إدارة عدد من المؤسسات الثقافية من بينها المتحف الفلسطيني في بيرزيت.

المصدر :جنوبيات