إنّ تداول السلطة مبدأ أساس من مبادئ الديمقراطية ولا تستقيم بغيابه، فنحن لم نتقبّل مبدأ التمديد لمجلس النواب والمجالس البلدية والاختيارية إلا إبان الحرب الأهلية، لكننا رفضنا على الدوام التجديد لهذه الهيئات في أيام السلم الأهلي، كما رفضنا استخدام نظرية الظروف الاستثنائية للتمديد لها في حين ان اجراءها ممكن ومتاح.
نعتقد بأنّ تهرّب بعض الجهات السياسية من إجراء الانتخابات مرده الخوف من عدم الحصول على حصة تمثيلية وازنة في هذه المجالس والمراكز، وربما الخشية من تراجع حصته التمثيلية فيها، فيتمسك بالمثل القائل «عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة».
كما يتذرّع البعض بالحريق الأمني المجاور للبنان، أو بتفلت منطقة لبنانية من قبضة القوى الأمنية الشرعية، وهو كلام مبالغ فيه في الحالة الأولى، وعذر واهٍ في الحالة الثانية، فالحريق الأمني المجاور للبنان لا يمكنه ان يحول دون تجديد الوكالة التي يمنحها الشعب لممثليه في بلد الأمن فيه تحت السيطرة، في حين أن البلد المجاور والمشتعل امنياً سبق له وأجرى انتخابات رئاسية، وشارك فيها النازحون منه إلى لبنان. وإذا كان هناك من حائل أمني لإجراء الانتخابات في بلدة ما، فبالإمكان نقل صناديق الاقتراع فيها إلى مكان آخر.
لقد بات موعد إجراء الانتخابات البلدية قاب قوسين أو أدنى، وحسناً فعل وزير الداخلية والبلديات الأستاذ نهاد المشنوق بالإعلان عن استعداد الوزارة لإجرائها في موعدها، كما الجولة على القيادات السياسية للحصول على إجماع سياسي داعم لإجرائها، لكن أكثر ما نخشاه هو إطلاق هذه القيادات تصاريح الآن تفيد موافقتها على إجرائها، ومن ثم تبدل رأيها عشية الانتخابات وتعمل على تأجيلها، والتمديد للمجالس القائمة.
إنّنا نرفض التمديد للمجالس البلدية تحت أي عذر كان، فالانتخابات البلدية باتت حاجة شعبية وضرورة وطنية. فعلى الصعيد الشعبي، لا بُدَّ من تجديد الوكالة لممثليهم في المجالس البلدية المعنية بشؤونهم الحياتية المباشرة وبالبنية التحتية لمدنهم وقراهم. فإذا كان قليل من البلديات قد تمكّن من توفير الماء والكهرباء ومعالجة النفايات أو بعضها، فإنّ كثيراً من المدن والبلدات والقرى تعاني من عدم توفير الخدمات الأساسية، وما زالت طرقها وأرصفتها بحاجة لإصلاح وتأهيل، كما تفتقر إلى منشآت عامة تُلبّي حاجات أبنائها من مدارس وملاعب وأندية وحدائق عامة. وعلى الصعيد الوطني، لم يعد مقبولاً الاستخفاف برأي المواطن وحرمانه من حقه باختيار ممثليه في البلديات التي تتفاعل مع حاجاته اليومية. إنّنا نعتبر أن إجراء الانتخابات البلدية في موعدها سيُسقِط المبرّرات أمام إجراء الانتخابات النيابية والانتخابات الرئاسية، وسينفخ الروح في مؤسّسات الدولة اللبنانية.
لذا، ندعو مؤسّسات وهيئات المجتمع المدني إلى رفع شعار «الانتخابات البلدية حاجة شعبية وضرورة وطنية» وتنظيم برامج ترويجية له في مختلف المنابر الإعلامية، فهذا تحرّك أهدافه مواطنية بحتة، لا يستثني أي فريق سياسي، وبوسعه أنْ يجمع أكبر شريحة من المواطنين، والإجماع عليه سيعبّد الطريق أمام تحقيقه على أرض الواقع.
وعلى الصعيد البيروتي، نتطلّع إلى تجديد دم مجلسنا البلدي بكفاءات من مختلف الطوائف والمذاهب تساهم في إطلاق ورشة عمل تؤمّن لأهلها وسكانها بنية تحتية لائقة بسيدة العواصم العربية، فلا تعد النفايات أكبر همهم، ولا تأمين الكهرباء والماء هاجسهم اليومي، ولا حفر الطرقات وزحمة السير الخانقة وتحوّل كثير من شوارعها إلى مرائب للسيارات أسباباً لقتل وقتهم وتوتير أعصابهم.