الجمعة 22 تشرين الأول 2021 09:29 ص

بالظام: سِفْر عاموس


سفر عاموس أحد أسفار العهد القديم وكاتب السفر كان راعياً قبل أن يدعوه الرب بحسب الكتاب ليتنبأ بما سيحل بأمته. وموضوع السفر بصفة عامة دينونة تقع على إسرائيل ويهوذا كما على الأمم المجاورة. وإذ رفضوا النور معاندين، فقد أظهروا بغضهم لمن يوبخهم، وتجنبوا المتكلم بالاستقامة والصدق (ع10).
ومع أن عاموس كان يعلم أنه لابد أن يُبغَض من أجل الإنذار والتوبيخ عند الباب، فقد واصل رسالته الخطيرة دون اعتذار أو تردد. فهو يعمِّق في ضمائرهم الخطايا التي كانت موشكة أن تجلب القضاء على الأمة المذنبة... لكن خادم الله الأمين لا يخفي شيئاً، ولا يتملق. بل يعلن رياءهم ثم يدعوهم لأن يطلبوا الخير لا الشر لكي يحيوا وليكون رب الجنود معهم. فإن أطاعوا الكلمة يتراءف الله على بقية يوسف (ع14،15).
#عاموس هوكشتاين الذي تسمى على اسم نبي العهد القديم ويمثل الأمة القاتلة نفسها التي تنبأ النبي بدينونتها ويحمل جنسيتها وخدم في جيشها، زارنا بالأمس وسيط خير بصفته رئيس الوفد الأميركي. واستقبله المسؤولون اللبنانيون دون اعتراض.
في العام 1955 أقرّ مجلس النواب قانون مقاطعة اسرائيل الذي ما يزال نافذاً. وجاء هذا التشريع استكمالاً للحصار الاقتصادي المفروض على إسرائيل من قبل لبنان وسائر الدول العربية آنذاك. هذا الحصار الذي يحتّم، كما جاء في الأسباب الموجبة للقانون، استصدار تشريع ينظم مقاطعة إسرائيل فيحدد المسؤوليات ويعين الموجبات وينزل العقوبات.
في المادة الأولى، يحظر القانون، على كل شخص طبيعي او معنوي ان يعقد بالذات او بالواسطة اتفاقا مع هيئات او اشخاص مقيمين في اسرائيل او منتمين اليها بجنسيتهم او يعملون لحسابها او لمصلحتها وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية او عمليات مالية او اي تعامل اخر ايا كانت طبيعته." ويعاقب كل من يخالف هذه الأحكام بالاشغال الشاقة (المادة 7).
لم يتوقف أحد عند البعد القانوني للمسألة، وهي أثيرت في الإعلام من الناحية الأخلاقية ومن باب التشكيك في نزاهة وحياد الوسيط، وهو تشكيك في محله طبعاً، من دون الإشارة إلى أن الأمر يمنعه القانون اللبناني أصلاً وكان بإمكان الجانب اللبناني إبلاغ الأميركيين بالمانع القانوني وحسب دون الاضطرار إلى قبول هذه الوساطة المذلّة، لأن كل من يجري أي تعامل مهما كانت طبيعته مع شخص يحمل جنسية إسرائيل، إنما يرتكب جرماً جزائياً.
إذا دخلنا في المضمون وفي تحديات التفاوض فإن مسألة عاموس تصبح جزءاً من مسرحية متكاملة يتنافس فيها ممثلونا، على دور البطولة في بيع حقوق لبنان. والدليل أن مرسوم تعديل الحدود البحرية الذي كان واجب التوقيع بما يتناسب مع حق لبنان أي ما يعرف بالخط 29، لم يتم توقيعه رغم إصرار قيادة الجيش ورغم مطالبات الاختصاصيين وعلى رأسهم الدكتور عصام خليفة. وببساطة تم استئناف الوساطة الأميركية وستستأنف المفاوضات الثلاثية في الناقورة من دون أن يتجرأ الجانب اللبناني على تعديل المرسوم. وبذلك تستكمل فصول المسرحية التي تهدف إلى تمرير الخسارة داخلياً عبر ممارسة أشكال من التشدد الشكلي بموضوع المفاوضات والتي لا تؤثر في المضمون ولا تحمي الحقوق.
يبدو أن نبوءة عاموس على وشك التحقق ولكن في لبنان وليس على أمته التي نجحت في إخضاع من يتولون أمرنا لمطالبها غير المشروعة. والشعب فاقد القدرة على الاعتراض بعد سلسلة المصائب التي حلت به.

المصدر :النهار