"أعلم أنك لن تتركني، وإنني في عنايتك، وأنك ستُعيدني إليك كلما ابتعدت ... صباحكم طمأنينة".
هذه آخر الكلمات التي أرسلها الشيخ يوسف المسلماني، يوم الخميس في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2021، إلى أصدقائه عبر الـ"واتس آب"، بعدما دأب عليها صباح كل يوم، ليس ذلك إلا إدراكاً بإيمانه بالله (سبحانه وتعالى) وقربه منه ويقينه بإقتراب أجل العودة إليه.
يخطف فيروس "كورونا"، يوم الأحد في 24 تشرين الأول/أكتوبر 2021، الشيخ يوسف المسلماني (في العقد السادس من عمره) مُتأثّراً بتداعيات إصابته به قبل أيام عدة.
يرحل الشيخ، الذي تعرفت إليه قبل أكثر من 4 عقود من الزمن، فامتاز بقامته الشامخة، وطيبته ودماثة خلقه، مصداقيته، تواضعه، وحل مشاكل المُواطنين الكادحين الطيبين، بتأمين المُساعدة لهم، دواءً وغذاءً وتسجيلاً في المدارس وتأميناً لأقساطها.
نشط في "جمعية الإمام علي" - "مُستوصف الرازي"، وفي إطار "تجمع المُؤسسات الأهلية في صيدا والجوار".
كان دائماً قريباً من المغلوب على أمرهم، مُلتصقاً بقضاياهم، عمل على حلها بشكل إفرادي أو جماعي، ودائماً في طليعة المُشاركين في التحركات والتظاهرات والاعتصامات المطلبية، وليس آخرها في ساحة ثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر في صيدا مُنذ انطلاقها في العام 2019.
هذه المواقف المطلبية للشيخ يوسف المسلماني، حلقة من سلسلة حلقات مسيرته النضالية ضد الاحتلال الإسرائيلي وأعوانه، التي بدأها مع الثورة الفلسطينية، وتوّجها بقيادته انطلاق أعمال المُقاومة ضد الاحتلال بعد غزوه لبنان في حزيران/يونيو 1982، ورافضاً حظر التجول الذي سعى إلى فرضه في "عاصمة الجنوب"، فكان قائد أوّل عملية عسكرية ضد دوريات المُحتل وسط ساحة النجمة في صيدا.
اعتقله الاحتلال وزج به في "مُعتقل أنصار"، لكن استمر في نضاله بتوحيد الكلمة، والتنسيق في ما بين الأسرى والمُعتقلين والدفاع عن حقوقهم، وتصديه لضباط وجنود الاحتلال، وجرأته على تسديده إلى وجه السجان الإسرائيلي في المُعتقل، لكمات من قبضته الفولاذية، وهو الذي كان بطل لبنان في المُلاكمة وشارك في بطولات عدة.
من "أنصار" إلى "عتليت"، بقي حاملاً لواء الأسرى، إلى أن أُفرج عنه معهم.
ما أن تحررت صيدا بتاريخ 16 شباط/فبراير 1985، حتى كان الشيخ يوسف المسلماني يجمع عدداً من الشباب الصيداوي، ويكون في طليعة المُتصدين للاعتداءات التي تعرّضت لها المدينة من قبل "القوّات اللبنانية" التي كان يقودها - آنذاك - في شرقي صيدا سمير جعجع، ومن ثم "ميليشيا العميل أنطوان لحد" التي اندحرت إلى منطقة جزين.
نجا في نهاية ثمانينات القرن الماضي من انفجار سيارة مُفخّخة وضعت أمام منزله في موقف بلدية صيدا.
أسس "جمعية بيت الأسرى - أحرار أنصار وعتليت"، التي عملت على تكريم الأسرى المُحرّرين من مُختلف المناطق والطوائف والجنسيات.
كان مُقرّباً من الوزير والنائب السابق الدكتور نزيه البزري، واستمر مُلتزماً بعلاقته مع الدكتور عبد الرحمن البزري، ما يُؤكد وفاءه لمبادئه التي آمن بها.
كان ذلك مُنطلقاً للعمل على تقريب وجهات النظر المُتباينة من إسلاميين، قوميين، ناصريين، بعثيين ويساريين، من أجل مصلحة صيدا وشرقها وأبناء المُخيمات والجنوب، إيماناً منه بأهمية وضرورة الحفاظ على صيغة العيش النموذجي الذي تتحلى به المنطقة.
رحيل قاسٍ لشخصية فذّة، تنصهر في الشيخ يوسف المسلماني، عبر خصال مُتعدّدة، أحوج ما نكون إليها في أيامنا هذه، حيث تزداد مُعاناة الناس في ظل ظروف اقتصادية وحياتية ومعيشية صعبة، وعودة تغذية النعرات الطائفية والمذهبية التي كان الراحل يعمل على هدم هوة هذه المُحاولات.
صاحب واجب في الأفراح والملمات والمرض، شارك في تشييعه إلى مقبرة صيدا الجديدة في سيروب وتقديم واجب العزاء، حشد غفير من مُختلف الأطراف الصيداوية والفلسطينية، وهو النموذج الذي جسّده في حياته، فكان حاضراً في رحيله.
رحم الله الشيخ يوسف المسلماني وأسكنه فسيح جنانه، وعزاؤنا إلى شقيقه عز الدين "أبو خليل" وأرملة الراحل فاتن العيلاني، وإلى أولاده: أحمد وآدم والزميلة آية.