* د. عماد عكوش
قبل وضع أي خطة يجب التأكد بنسبة كبيرة من إمكانية التنفيذ والوصول الى تحقيق الهدف، لذلك يجب الابتعاد عن الخطط التي لا تملك مقومات نجاح بالمعطيات المتوفرة ، وعندما يبدأ الوزير بطرح خطط أستراتيجية في لبنان طويلة الأمد وتحتاج الى عشرات السنين لتنفيذها ومئات ملايين الدولارات ونحن في نظام سياسي لا يوجد فيها ما يسمى أستمرارية عمل المؤسسات وكل وزير يأتي يلغي أو يعدل بشكل كبير خطط سلفه فاعلم أن هذا الوزير مشكوك في نيته تنفيذ هذه الخطة وفي نهاية الأمر اذا لم ينجح فأسهل حجة يقولها هي أنهم لم يقروا خطتي أو لم يمولوها لذلك يجب البحث دائما" عن خطة ممكنة .
عند الحديث عن الخطط الأستراتيجية أيضا" يجب توضيح ماهية هذه الخطط للجمهور وماذا تعني فالخطط الاستراتيجية تُحدِّد رؤية المؤسسة على المدى الطويل، وتوضِّح رسالة المؤسسة وقيمها ، وتُحدِّد مجالات العمل الحالية للمؤسسة أو التي ترغب المؤسسة في دخولها، وتُوضِّح كيف ستندمج المؤسسة في بيئات العمل الخارجية.
من المثير للدهشة أنَّ رجل الأعمال الياباني (كونوسوكي ماتسوشيتا) الذي أسَّس شركة (ماتسوشيتا) التي تحمل اسمه (والتي أصبح اسمها باناسونيك فيما بعد) قد وضع خطة مدتها 250 عامًا، ومع ذلك لا تُعدُّ خطته نموذجًا شائعًا للخطط طويلة المدى في الشركات!
لا يقتصر الاختلاف بين الخطط قصيرة المدى ومتوسطة المدى على طول المدة الزمنية التي تغطيها ؛ بل هناك أوجه اختلاف أخرى بينها . في الواقع ، كلَّما كانت مدة الخطة أطول ، ازدادت حالات عدم اليقين أمام المخططين في معظم الأحيان . نتيجةً لذلك ، غالبًا ما تكون الخطط طويلة المدى أقل وضوحًا من الخطط قصيرة المدى ، كما أنَّها غالبًا ما تبتعد عن الطابع الرسمي وتكون ذات تفاصيل أقل ومرونة أكبر مقارنةً بالخطط قصيرة المدى ، وذلك بهدف التعامل المناسب مع المواقف المُبهمة ، كما تميل الخطط طويلة المدى إلى أن تكون ذات طابع إرشادي وتوجيهي أكثر من غيرها .
نعم خطة النقل التي تحدث عنها معالي وزير النقل خطة طموحة وهي طويلة الأجل وتحتاج الى تمويل كبير لكنها مستحيلة في دولة كالدولة اللبنانية سواء عن حسن نية أو بشكل مقصود لأسباب كثيرة منها :
- إفلاس خزينة الدولة وعدم قدرتها على تمويل هكذا مشروع تكلفته مئات ملايين الدولارات .
- عدم ثقة الخارج بالحكومات والطبقة السياسية كلها لتمويل هكذا مشروع .
- لا يمكن مواجهة كارتيل النقل بهكذا مشروع اليوم والذي يمكن أن يؤدي الى اشعالهم للشارع لأنهم سيعتبرون أنفسهم متضررين من المشروع .
- تحتاج هذه الخطة لتنفيذها الى وقت قد لا يقل عن سنتين وهذا الوقت غير متوفر اليوم والحكومة الحالية بالتأكيد غير قادرة على تطبيقه .
- كارتيل النفط والسيارات وقطع الغيار ستحارب هذا المشروع لأنه سيخفض الأستهلاك على سلعهم.
ما هو البديل ؟
البديل لهذه الأنواع من الخطط وخاصة لوضع كوضع لبنان هو وضه خطة استراتيجية موحدة وتقسيمها على شكل خطط صغيرة تؤدي الى تحقيق الأستراتيجية الكبرى ، أي البناء على خطط متعددة للوصول الى تحقيق الهدف كاملا" .
يمكن تقسيم خطة النقل العامة الى أجزاء فبدلا" من القيام بشراء ألف باص وتأمين المحطات والكادر البشري الكامل والفريق الأداري المتابع والمراقب، يمكن تقسيمها الى عدة خطط تبدأ بالأهم وصولا" الى الأقل أهمية على الشكل التالي :
الجزء الأول يبدأ بربط العاصمة بكل مراكز المحافظات الأخرى وبحولي مئة باص كبير ، ويمكن تحقيقها على الشكل التالي :
- 25 باص من بيروت مرورا" بجونية وجبيل وصولا" الى طرابلس بمعدل باص كل ربع ساعة .
- 25 باص من بيروت مرورا" بشتورة، بعلبك وصولا" للهرمل كل ربع ساعة .
- 20 باص من بيروت مرورا" بصيدا وصولا" الى صور كل ربع ياعة
- 20 باص من بيروت مرورا" بصيدا وصولا" للنبطية كل ربع ساعة
- 10 باصات أحتياطمع ترك عمليات النقل من مراكز المحافظات الى القرى والشوارع الضيقة للباصات المتوسطة والصغيرة في المرحلة الأولى والتي يملكها أصحاب النمر العمومية .
من حسنات هذه الخطة :
- خفض قيمة الاستثمار المطلوب بنسبة تزيد عن تسعين بالمئة ، فإذا كان المشروع بالكامل كان يمكن أن يحتاج الى حوالي نصف مليار دولار فهذه الخطة لن تحتاج لأكثر من خمسين مليون دولار .
- سرعة الاستفادة منها وسرعة تحقيق الخطة، حيث يمكن إنجاز هذه الخطة بأقل من ستة أشهر .
- خفض كلفة النقل للمواطنين بنسبة تزيد عن سبعين بالمئة.
- أن هذه الخطوط تمر بالكثير من القرى اللبنانية لأن معظمها يقع على الطرقات الدولية .
- عدم الأضرار بأصحاب النمر العمومية كافة مما يجنبنا المشاكل معهم .
- يمكن تنفيذ هذه الخطة عن طريق أجراء مناقصة للشركات اللبنانية التي تود أن تساهم بهذا المشروع مع إعطائها بعض الحوافز الضريبية والجمركية ورسوم التسجيل مع اشتراط موافقة وزارة النقل على التسعيرة .
لاحقا" طبعا" وإذا ما أثبت هذا المشروع نجاحه يمكن توسعته ليشمل خطوط جديدة بباصات كبيرة من مراكز المحافظات الى كل مراكز الأقضية