دائماً ما نسمع عن الغزو الجغرافي والعسكري أما في هذا المقال سنسلط الضوء على مفهوم الغزو الفكري وهو أن تقع مجتمعات معينة تحت تأثير مجتمعات أخرى بنمط التفكير والسلوك الاجتماعي الجماعي بحيث ينشأ لها جيل مختلف بالهوية والعقيدة والتفكير والثوابت والعقائد والمبادئ بما يخدم للسياسات العامة للدول.
واليوم أكثر من أي وقت مضى هناك حاجة لأن نهجم فكريًا للدفاع عن مبادئنا ومقدساتنا ومجتمعاتنا وفكرنا، وهذا يتطلب اتحاف العقول بالخروج من الجمود واطلاق العنان للغزو الفكري المدموغ بتوقيعنا. فقد آن الأوان لأن نخرج من الصندوق الفكري الذي قوقعنا فيه أنفسنا كمتلقين متأثرين ومقلدين للثقافات الغربية والأجنبية منذ عقود، وخصوصاً أننا نملك الإمكانيات المادية والبشرية للإنتشار فكريًا والتأثير للتغيير.
حان الوقت لمواجهة الغارات الفكرية التي يطلقها العدو على منصات وسائل التواصل الاجتماعي بأن لا نتركها في الفضاء الإلكتروني الواسع لتدخل إلى كل بيت دون رد مدوي فكريًا بالمقابل، لأن تلك الغارات الفكرية للعدو هي بشكل أو بآخر ترويج مدروس لتقبل العدو والتطبيع معه شيئاً فشيئًا، ولا يمكن التعامل مع هذا الأمر من منطلق بريء ولعلّ أفضل رد يكون بالفكر أيضاً، ولسيما أن كل الأدوات التكنولوجية المتاحة التي ابتدعها وكرسها العدو لغاياته هي في حقيقة الأمر متوفرة بين أيدينا وبتصرفنا وللجميع فلا مانع أن يكون للنخب الثقافية والاجتماعية والاعلامية العربية دور في هذا الشأن.
وفي هذا المضمار لا بدّ أولاً من تكثيف النشر والإعادة والتكرار من غير ملل أو كلل للأفكار التي تخدم الأفكار الاستراتيجية والقومية والوطنية لترسيخ الفكر العربي المقاوم الحرّ وللتفوق بالمحتوى الفكري الرقمي على العدو ومزاحمته في استقطاب الباحثين والمتلقين على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت بشكل عام.
ثانياً، للأفلام والمسلسلات قدرة ضخمة على تسويق الأفكار وبالتالي إن زيادة الإنتاج السينمائي لهذه الغاية سيؤتي ثماره إن كان السيناريو والترويج بالمستوى المدروس لاستمالة المشاهد وجذبه.
ثالثاً، البرامج الترفيهية هي أكثر من مجرد مساحة لتضييع الوقت والمال ومن الذكاء اختلاق برامج ترفيهية تجذب أبناء المجتمع وتحفظهم من الوقوع في فخ برامج أخرى تمرر لهم أفكار تشوه قيمهم بسلاسة دون أدنى اعتبار للثوابت الفكرية والعقائدية والأخلاقية في المجتمع نفسه.
رابعاً، رصد ميزانيات ومحفزات للترويج للأفكار التي تكرس المواطنة وتحفظ الكرامة وتعزز القومية والانتماء للوطن وتثبت المبادئ والأخلاق السامية وترفض العدو والعمالة والذل والتطبيع والاحتلال واغتصاب الحقوق.
خامسًا، عقد اللقاءات بشكل منتظم للنخب الاعلامية لبحث كل الأفكار التي تكفل حماية المجتمعات العربية والآليات الممكنة التنفيذ للاهتمام بالإنتاج الفكري العربي لمواجهة التطبيع والنيل من العدو ومخططاته، ويعتبر مشروع اللقاء الوطني الإعلامي الذي وضع حيذ التنفيذ في لبنان خطوة مهمة في هذا الصدد.
وأختم بقول الامام علي عليه السلام "ما غُزي قومٌ قط في عقر دارهم إلّا ذُلّوا".