الخميس 16 كانون الأول 2021 21:15 م

النظام الغذائي رفاهية.. وضريبته مؤلمة


* جنوبيات

لم يُخيّل لها ولو للحظة أن خسارتها بضعة كيلوغرامات ستخرجها من القفص الزوجي. تلك الدهون المشبعة وغير المشبعة المتكورة في كتل كدّست وراكمت ديونا متناثرة لتُحرق. ديون تسببت في لحظة انفجار عصبي بنهاية سوداوية أطاحت تلقائيا بتلك الفرحة الآنية وحوّلتها إلى غصّة عمر.

فريال (اسم وهمي) أم وربة منزل، أرادت كمثيلاتها أن تهتم بشكلها وتدلل نفسها بعد أن كبر أطفالها. قفزت رغبتها بتخسيس وزنها ورسم شكل جديد لجسدها المترهل بغية استعادة عافيتها فوق واقعها المعيشي ومحدودية راتب زوجها التقاعدي. وكنتيجة طبيعية للتقيد بأنظمة غذائية وصفتها لها اختصاصية تغذية، فجّرت الديون المتفرقة البركان الذكوري وضعضعت تكامل الأسرة.

هناك علاقة وطيدة بين الوزن السليم والصحة الفيزيولوجية والبسيكولوجية والفكرية ولطالما كانت موضع اهتمام الأطباء والصحيين في ظل تشديدهم على ضرورة التمتع بجسد يقترب من المثالية لتقليل الإصابة بالأمراض.

وما زيارة اختصاصية التغذية للمرضى في المستشفى ونصحها لهم بتناول مأكولات معينة تتناسب مع أوضاعهم الصحية إلا دليلا إضافيا على ضرورة الإهتمام بنوعية طعامنا وكميته تماشيا مع نمط المعيشة السائد.

ومع انتشار هذه الثقافة لحظ اختصاصيو التغذية إقبالا كثيفا على عياداتهم الخاصة أو في مراكز الرعاية الصحية التي يزاولون مهنتهم فيها أو في المستشفيات التي تفرد لهم جانبا في أروقتها من قبل النوعين صغارا كانوا أم كبارا سواء أرادوا تخفيف وزنهم أو زيادته.

ولكن في ظل ما نعانيه من تردٍّ في المستوى المعيشي هل نحن فعلا قادرون على التقيد بنظام غذائي متوازن بتكلفة عناصره الباهظة ومراجعة اختصاصيي التغذية دوريا؟

لا تنفصل الإجابة عن الطبقية العميقة التي نشهدها. فمع غياب الطبقة المتوسطة الضابطة للايقاع وتحللها لمصلحة اتساع الفقيرة بات الكلام عن الإنقسام الحاد في الطبقتين الإجتماعيتين الميسورة والفقيرة واقعا مؤلما. وبالتالي انحصر تأمين الإحتياجات الضرورية والكماليات إضافة إلى عناصر الرفاهية لدى البرجوازيين ومن يقبض بالدولار أو لديه مغتربا يسنده، بينما ما كان متاحا لأفراد الطبقة الوسطى المتلاشية فتحوّل إلى عبء ثقيل لا تقدر على حمله نظرا لتدني قدرتها الشرائية تزامنا مع تراجع القيمة النقدية لليرة اللبنانية.

 إذًا مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية والفواكه والخضار بات الكلام عن التقيد بنظام غذائي سليم وصحي صعبا للغاية وبالتالي الالتزام بتوصيات اختصاصيي التغذية أضحى ضربا من الجنون بالنسبة لعامة الشعب، كونهم عاجزين عن تأمين أدنى متطلبات حياتهم اليومية.
وعليه، فقد حجز الصوم لنفسه خانة "الحل الأنسب" لمن يرغب بتخفيف وزنه. إذ عدا عن كونه فريضة دينية تحوي ايجابيات عديدة روحية وفيزيولوجية، يُعتمد علاجا لتنظيف الجسم من السموم وتخليصه من خطر الإصابة بالأمراض، ولكن مع تعديل ضروري يرتبط بالحالة القائمة يتعلق بترشيد وجبة الإفطار التي خضعت للتقليص أيضا.

لم تقترف فريال خطيئة، لكنها وقعت ضحية نمطية الصورة ونجومية الفاشينيستا وثقافة التقليد السائدة في وقت يعاني فيه المواطن اللبناني اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وفي زمن تحكم ارتفاع الدولار السياسي بمفاصل الحياة دون أي اكتراث لأحلامنا الوردية ولا الأنثوية ولا حتى الصحية.

والمفارقة أن البدانة بما كانت تشكله من عبء نفسي ومشكلة إجتماعية ستستبدل بعد انتهاء الأزمة الإقتصادية الحادة بضعف غير محبذ كمحصلة منطقية لفقدان العناصر الغذائية الأساسية وعدم استهلاك المتممات الغذائية ولا حتى الأصناف الضرورية لصعوبة تأمينها. وبالتالي تصبح زيارة اختصاصي التغذية أمرا لا مفر منه لإعادة التوازن لأجساد أنهكها الفقر وأضناها العوز.

المصدر :جنوبيات