السبت 10 أيلول 2016 14:09 م

عدوانية الأطفال .. مراحل وأسباب


يؤكد اختصاصيو علم نفس الطفل والتربويون أن التصرفات العنيفة عند الأطفال والمراهقين يجب النظر فيها بعمق، أي في الأسباب، وما تخفيه من واقع عائلي يعيش في مناخه الطفل أو المراهق.

والشيء المؤكد أن العنف يزداد بين الصغار، وعلى عكس الشائع، الذي يرى أن العنف يظهر في بيئات اجتماعية بعينها، بل هو يطاول كل شرائح المجتمع بغض النظر عن الوضع الاقتصادي.

ولكن قبل ذلك، يجب التمييز بين السلوك العنيف الموقت، والسلوك العنيف المرضي.

فما هي التصرفات التي على الأهل التنبه إليها؟ وما هي الطريقة والتوقيت اللذان يجب اعتمادهما لإنهائها؟ لاحظ الاختصاصيون أن الأطفال الذين يعانون صعابًا عاطفية يكون العنف لديهم منهجيًا.

فالعدوانية بالنسبة إليهم طريقة للدفاع عن وجودهم.

فينغلقون على ذواتهم في دوّامة من الدمار الذاتي، بغض النظر عن أعمارهم وخلفياتهم الاجتماعية.

فيما الأطفال الذي يكون لديهم رد فعل عنيف من وقت إلى آخر، ويخضعون للعقاب وسلطة الأهل، فهؤلاء لا يمكن أن نضعهم في خانة السلوك العنيف المرضي.

فكلنا لدينا ردود فعل عنيفة حيال مسألة ما، وجميعنا نصاب بنوبات غضب، تنتهي عندما نهدأ، وندرك سوء الفهم الذي وقعنا فيه. وفي المقابل، يرى الاختصاصيون أن العدوانية هي جزء من التطور النفسي عند الطفل.

ولكن المهم الحذر من تبسيط السلوك غير الاجتماعي للطفل فلسبب واضح ولكن في بعض الأحيان ننسى ان الأطفال كائنات متطوّرة، يمرون بمراحل نمو نفسي وعاطفي وإدراكي لا غنى عنها، والعدوانية جزء من هذا النمو، ويمكن أن تتحول إلى سلوك عنيف يطبع شخصية الطفل إذا لم يتم تهذيبها وصقلها، وتعليم الطفل كيفية التحكم فيها.

فبحسب فرويد تتخذ العدوانية أشكالاً عدة، فتظهر منذ الطفولة المبكرة بين 18 شهرًا، والسنتين، مثلاً عندما ينقض على طفل آخر لأنه أخذ لعبته، فهذه العدوانية الطفولية هي دفاعية.

وفي مرحلة المراهقة يكون السلوك العنيف غير الدائم، وسيلة للاعتراض فقط لا غير.

ومع ذلك فإن هذه الغريزة يجب قوننتها من جانب الوالدين والعائلة والمجتمع على حد سواء، علمًا أن الوالدين هما المسؤولان عن قوننة هذه الغريزة.

فالطفل يحاول من خلال سلوكه العنيف اختبار البيئة المحيطة به، ويتراجع عنه عندما يكون رد فعل الأهل مناسبًا، فيما تزداد وتيرته عندما لا يتصرف الأهل بشكل مناسب.

تمر العدوانية عند الأطفال بثلاث مراحل : - العدوانية لدى الأطفال أقل من سنتين ويعبر عنها بالضرب، ذلك أن الطفل في هذه السن لا يزال غير قادر على التعبير عن رغباته ومشاعره بالكلمات، وبالتالي عندما يشعر بالغضب يكون الضرب وسيلته.

- في السنتين يعرف كلمة «لا»، ويكتسب الطفل بعض الاستقلالية في تدبر شؤونه ويجيب بـ «لا» حين يغضب أو يشعر بالتوتر.

- في الثالثة يقل الاعتداء الجسدي، لأن الطفل يدرك سلطة الكلمة وقوّتها، فيطوّر عدوانه اللفظي. إذ أصبح يدرك أن في إمكانه التفاوض بالكلام وإطلاق عبارات التهديد للحصول على مبتغاه. أما إذا استمر الطفل في عدوانيته تجاه أترابه ووالديه بعد هذه السن، فربما تكون إشارة الى معاناة يواجهها الطفل.

وفهم أسباب هذه العدوانية يسمح للأهل بالسيطرة عليها ومساعدة الطفل على التخلص منها.

ما هي أسباب العدوانية؟ هناك أسباب كثيرة تدفع الطفل للتصرّف بعدوانية. فهو قد يتصرّف بعدوانية لأنه يشعر بأنه مهمل في العائلة لا أحد يكترث لوجوده، أو بسبب مجيء مولود جديد إلى العائلة، مما يسبب له القلق والتوتر والخوف على مكانته في العائلة، فتكون عدوانيته صرخة ليقول «أنا هنا».

وكذلك فإن ضعف ثقة الطفل بنفسه يجعله يدافع عن نفسه بالاعتداء على الآخر. ونشوء الطفل في محيط عائلي يطغى عليه الصراع والشجار والعنف في التعامل بين أفراد العائلة، يجعله يعتقد أن العدوان والعنف جزءان طبيعيان في الحياة.

ويمكن أيضًا أن يكون دلال الطفل المفرط وخضوع الراشدين لرغباته بسبب تصرفه العدواني، يجعله يعتقد أنه بالعنف وحده يستطيع تحقيق كل ما يريد.

وأخيرًا الطفل العنيف، هو طفل يتعرض للعنف الجسدي أو اللفظي من الراشدين، إما بسبب طلاق الوالدين، أو أن أحدهما يتعامل بعنف مع الآخر، مثلاً حين يرى الطفل والده يضرب والدته أو يهينها بأبشع العبارات، فمن الطبيعي أن يتأثر الطفل ويظن أن العنف هو لغة الأقوياء، كما فعل الطفل في المشهد الدرامي في برنامج «الصدمة» حين تدخل الغرباء وقالوا له إن من المعيب أن يتحدث إلى والدته بهذه الطريقة، فكان جوابه، «والدي يتحدّث إليها كذلك»، وهذا أصدق تعبير لتماهي الطفل مع أحد والديه.

ماذا على الأم أن تفعل حين يتصرف الطفل بعدوانية عندما لا تحقق رغبته؟ عندما يتصرّف الطفل بعدوانية، على الأم التحدث إليه بوضوح وحزم وهدوء، بأنها ليست موافقة على تصرفه السيئ. ثم تشرح له أهمية احترام القواعد الأساسية في جميع مجالات الحياة الاجتماعية، وتبيّن له أنها تنطبق على الجميع، بمن فيهم هي ووالده وكل الناس الراشدين والأطفال وكبار السن.

وإذا كان الطفل يتماهى مع أحد الراشدين المقربين منه، عليها أن تظهر الاتزان والهدوء أثناء التحدث معه، أو مع شخص آخر لا تتفق معه في الرأي.

فبذلك تجعله يرى مثالاً على أن العدوانية ليست الحل الوحيد لإنهاء الصراع.

لمساعدة الطفل في إدراك تصرّفه غير المناسب، يمكن الأم أن تدخله في لعبة الأدوار، بأن يقوم بدور الشخص الآخر ومساعدته على فهم الأحاسيس المختلفة التي يمكن أن يشعر بها.

ثم تطرح أسئلتها: ماذا كان على الشخص أن يفعل؟ برأيك كيف يجب أن يكون رد فعله؟ هل كان غاضباً؟ كما يمكن تسجيل الطفل في نشاط رياضي أو فني يكون وسيلة جيدة لتوجيه طاقة لا حدود لها، ويكون بمثابة تخفيف للتوتر. على الأهل ألا ينسوا مدح طفلهم عندما يتبنى موقفًا يتناسب مع حالة كان من الممكن أن تشعره بالتوتر والإحباط. فكثيرًا ما يوبخ الطفل العدواني ويشعر بالذنب فيزداد عدوانية دفاعًا عن موقفه.

كما عليهم تشجيعه على التقدّم الذي أحرزه في سلوكه مما يسمح له باستعادة الثقة بنفسه، وهذا من شأنه أن يعزّز التغيرات السلوكية.

وفي أوقات الشدة، على الأم محاولة تقاسم لحظات هادئة مع طفلها من طريق إظهار الاهتمام الكامل بالاستماع إليه، والسماح له بالتحدث. فالتعبير عن مشاعره بالكلام سوف يساعده في الحد من سلوكه العدواني، وبدورها سوف تفهم الأم أسباب سلوكه.

التوبيخ والصفع لا يمنعان الطفل من التصرف العدواني يستعمل الكثير من الأهل الصفع لردع الطفل عن تصرفاته السيئة، فبعضهم يرى أن صفعة صغيرة لها أثر إيجابي، ولكن لا يجوز إطلاقًا توسّل الصفع كأساس للتربية.

وإذا كان لا بد منه، يمكن الأم أن تصفع طفلها على يده بلطف إذا كان على وشك الاقتراب من شيء يؤذيه، ويجب استعمال هذه الطريقة إذا كانت الحل الوحيد والأخير. ولكن الانتقال من التوبيخ الكلامي إلى الضرب مؤشر الى أن الأزمة بين الأم وطفلها وصلت إلى حائط مسدود. فكل شيء صار يُحل من خلال العنف الجسدي، لأنه لم يعد في مقدورها جعل رد فعلها عقليًا، ولا تجد الكلمات التي تتواصل بها مع طفلها.

لذا فإن الفعل الجسدي أصبح محل الكلمات.

لا يمكن الاستخفاف بهذا التصرّف، أي الاعتماد على العنف الجسدي لإخضاع الطفل.

إذًا عندما تشعر الأم بأنها ستنزلق إلى هذا المأزق، عليها أن تضع لنفسها رادعًا مطلقًا كأن تقول «من الآن فصاعدًا أمنع نفسي من ضرب ابني». فتحويل الفكرة إلى كلام يساعدها في التوقف عن ممارسة العنف الجسدي.

وعندما تفقد السيطرة على غضبها، عليها أن تطلب من ابنها الذهاب إلى غرفته، فالابتعاد عن بعضهما يجعلهما يشعران بالهدوء أكثر، وبالتالي تتمكن الأم من استعادة صوابها والتفكير في الحل المناسب. وفي المقابل، يشعر الطفل بالخوف، مما يدفعه للتصرّف بالطريقة نفسها، فكلما زاد العقاب الجسدي للطفل فإنه سوف يحلّ مشكلاته بالعنف الجسدي أيضًا، ويصبح أقل قدرة على حلها بالكلام. وبالتالي يصبح عنيفًا مع أترابه والمحيطين به.

عمومًا الضرب ممنوع ويجدر بالأهل تفاديه للأسباب التالية : لأن عواقبه سيئة: فغالبًا ما تضرب الأم طفلها عندما تكون في حالة غضب وقد تؤذيه عن غير قصد إذا صفعته بشدّة.

أو إذا وجدت أن صفعة صغيرة لم تنفع فتحاول في المرة الثانية أن تصفعه بقوّة ظنًا منها أنه سينصاع لأوامرها.

الضرب لا ينفع: فقد أثبتت الدراسات التربوية أن الأطفال الذين يتعرضون للضرب هم أكثر عنادًا من أقرانهم الذين لا يضربهم ذووهم. فالطفل لا يعرف ولا يفهم لماذا صفعته أمه.

الضرب يعزّز سلوك العنف عند الطفل: فالعنف يولّد العنف. وقد يظن الطفل أنه إذا كان من حق أمه أن تضربه، فلمَ لا يقوم بذلك هو أيضًا؟!

المصدر :الراي