سريعاً تستكمل التحضيرات لزيادة تعرفة الكهرباء بحدّ أدنى يبلغ 16 ضعفاً وحدّ أقصى يبلغ 36 ضعفاً، وتترافق مع وعود بزيادة عدد ساعات التغذية اليومية بالتيار الكهربائي من 4 ساعات حالياً إلى 10 ساعات. لكن هذه التحضيرات تتغافل، جهلاً أو عمداً، عن النتائج الكارثية التي سيرتّبها إلغاء دعم الكهرباء وزيادة التعرفة على الأسر الفقيرة والمتوسطة الدخل قبل تصحيح الأجور بشكل مناسب، فيما لم تحصل مصر بعد على ضمانات أميركية بإعفائها مسبقاً من عقوبات «قيصر» لأنها ستزوّد لبنان بالغاز عبر سوريا... بالتالي زيادة التعرفة تأتي من دون ضمانة بزيادة ساعات التغذية!
أرسل وزير الطاقة والمياه وليد فياض إلى مؤسسة كهرباء لبنان النسخة النهائية من اقتراح زيادة تعرفة الكهرباء، مرفقة بالدراسة التي استند إليها. النسخة التي اطّلعت عليها «الأخبار» تظهر أن التعرفة المطلوبة لوقف خسائر المؤسّسة يفترض أن تزيد على التعرفة الحالية بنحو 20 ضعفاً، باعتبار أن سعر مبيع الكيلواط يبلغ اليوم سنتاً واحداً، فيما كلفة التوليد والتوزيع وحدها تبلغ 14 سنتاً، وتفوق الكلفة الإجمالية لتحقيق التوازن المالي 24 سنتاً لكل كيلواط. اللافت أن هذا الحساب أُجري باعتبار أن مجمل الطاقة المنتجة حالياً في المؤسسة لا يتجاوز 500 ميغاواط، باستخدام نحو 60 ألف طن شهرياً من الفيول العراقي، أي على أساس ما بين 3 و4 ساعات تغذية يومياً.
لذا، ترى الخطّة أنه يجب القيام بأربعة أمور أساسية متزامنة:
- زيادة القدرة الإنتاجية إلى نحو 1000 ميغاواط بالاعتماد على الفيول العراقي بمعدل 60 ألف طن شهرياً لإنتاج 400 ميغاواط، واستيراد الغاز من مصر بمعدل 650 مليون متر مكعب سنوياً لإنتاج 400 ميغاواط، واستجرار الكهرباء من الأردن بنحو 200 ميغاواط، فضلاً عن إمكان الاستفادة من مجموعات إنتاجية يمكن استئجارها من مصر.
- تحسين خدمات التوزيع عبر تعزيز فعالية عقود شركات مقدمي الخدمات، بما يؤدي إلى تقليص خسائر مؤسسة كهرباء لبنان من 40% إلى 20% خلال خمس سنوات. والاستثمار في شبكات التوزيع وإزالة التعديات.
- زيادة التعرفة إلى ما معدّله 20 سنتاً لكل كيلواط وربطها بأسعار النفط العالمية وبتقلبات سعر الصرف لتغطّي تدريجياً الكلفة الإجمالية المترتبة على مؤسسة كهرباء لبنان، وبشكل مخطط له لتقليص مفاعيلها على الأسر الأكثر هشاشة.
- تحسين الأداء المالي لمؤسسة كهرباء لبنان من خلال تعزيز عملية الفوترة والجباية.
بدا للحظة أن الخطّة كلّها مصمّمة لتبرير توسيع عقود شركات مقدمي الخدمات، وهي المعركة التي تحاول وزارة الطاقة خوضها منذ أسابيع. لكن المعركة الفعلية التي يمكن قراءتها من خلال هذه الوثيقة هي أن زيادة التعرفة وخصخصة الكهرباء أمران متلازمان. فالتعرفة يجب أن تزاد وفق تبريرات تتعلق بخفض عجز مؤسسة كهرباء لبنان ورفع الدعم، من أجل توسيع عملية خصخصة أنشطة التوزيع والجباية في مؤسسة الكهرباء. وبحسب الاقتراح الذي تلقته المؤسسة، فإن تعرفة الكهرباء ستُزاد بمعدل 16 مرّة للمشتركين الذين يستهلكون 300 كيلواط/شهرياً وما دون، و36 مرة لمن يستهلكون 301 كيلوواط/شهرياً فما فوق بحيث ترتفع الشطور المعتمدة اليوم على الفاتورة الشهرية لمؤسسة الكهرباء. لكن هذه ليست الزيادة الوحيدة على التعرفة، إذ إن الزيادة ستطاول الرسوم الثابتة من الفاتورة التي سترتفع بمعدل 29 مرة، ما يعني أن مبلغ الـ9800 ليرة المسجّل كرسوم على الفاتورة حالياً سيبلغ 287467 ليرة بعد الزيادة.
هذه المفاعيل الأساسية التي ستضرب الأسر. لكن المفاعيل المباشرة التي ستضرب الاقتصاد، ولا سيما الصناعة، تتعلق بزيادة التعرفة الصناعية بنحو 36 ضعفاً من 115 ليرة في المتوسط لكل كيلواط إلى 4089 ليرة.
حاولت الخطة تبرير كل هذه الخطوات بأن 75% من الاشتراكات المنزلية ستسجّل انخفاضاً في فاتورة الكهرباء الإجمالية بحدود 15%، لا سيما أن المشتركين يعتمدون حالياً بنسبة 79% على مولدات الاشتراك و21% على كهرباء الدولة، لكن زيادة عدد ساعات التغذية بالتيار من مؤسسة كهرباء لبنان إلى 9 ساعات سيعدّل موازين الفاتورة لتصبح التغذية بنسبة 58% من كهرباء الدولة وبنسبة 42% من مولد الاشتراك. بالتالي، فإنه في ظل متوسط التعرفة الجديدة للشطور الدنيا بمعدل 2758 ليرة لكل كيلواط ساعة، وبين تسعيرة مولد الاشتراك بنحو 6765 ليرة لكل كيلواط ساعة، ستنخفض الفاتورة الإجمالية على المواطن بمعدل 15%.
في الواقع، تغفَل خطّة زيادة التعرفة عن نقاط كثيرة ترتبط بتصنيف المستهلكين ونوع الاستهلاك، وعدم التمييز بينَ المواطن العادي والمكاتب التجارية والشركات والمصارف ومراكز البعثات. غيرَ أن الخطورة الكبيرة تكمُن في أن حجم الزيادة التي ستطرأ على التعرفة يأتي في ظل تردّي القدرة الشرائية للمواطنين بينما لا يزال تصحيح الأجور خارج البحث الجدي. كما تأتي هذه الخطة وسط حالة الضياع المرتبطة بالبطاقة التمويلية، علماً أنه ليس هناك ما يضمن زيادة ساعات التغذية بالكهرباء في ظل امتناع الجانب الأميركي عن منح الجانب المصري مستنداً يسمح له بضخّ الغاز إلى لبنان عبر الأراضي السورية وتجنّب العقوبات الأميركية المفروضة بموجب قانون قيصر. وبحسب مصادر مطلعة، فإن المطلعين يتداولون معطيات عن أن الأميركيين لن يمنحوا أي سماح لمصر إلا في مقابل مكاسب سياسية مرتبطة مباشرة بالانتخابات النيابية المقبلة. بمعنى آخر، فإن الحسابات النظرية المُدرجة في خطة الكهرباء والبرنامج الإصلاحي اللذين يُعمَل عليهما مع المجتمع الدولي والبنك الدولي مغايرة للحسابات السياسية، إذ إن اتفاقات استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا لرفع ساعات التغذية إلى 10 ساعات بالحد الأدنى محاصرة بعدم إعطاء الأميركيين حتى الآن موافقات استثنائية رسمية، بينما قدّمت هيئة التشريع والاستشارات، بحسب معلومات «الأخبار»، رأياً بوجوب «تضمين اتفاقية العبور للكهرباء الأردنية إعفاء من قانون قيصر»، وهذا يجعلَ توقيع الجانب السوري شبه مستحيل. والنتيجة الحتمية لكل هذه «الفوضى» ستكون رفعاً للتعرفة من دون زيادة الإنتاج بالتوازي كما وعدَ وزير الطاقة، ما يعني أن المواطن سيتكبّد فاتورتين باهظتين: فاتورة اشتراك المولّد وفاتورة كهرباء لبنان بعد رفع التعرفة.
في المقابل، تؤكد مصادر وزارة الطاقة أن الكلام عن رفع التسعيرة لا يزال قيد الدرس، وأن الدراسة التي أعدتها الوزارة في كانون الأول الماضي وأضاءت على الانعكاسات السلبية التي لحقت بقطاع الكهرباء جراء الأحداث المتسارعة منذ بداية الحراك المدني عام 2019، أخذت في الاعتبار واقع القطاع والظروف الصعبة التي يعاني منها المستهلكون.
لكن كل هذه التفاصيل التي تحاول الخطّة التلطّي خلفها، لا تخفي بحسب مصادر معنية بملف الطاقة ما تظهره مقارنة بسيطة بينَها وبين الوقائع. فرغم أن الدراسة استندت إلى إحصاءات وأرقام كبيرة ومعطيات واسعة، إلا أنها لم تُراع التوازن بين المواطنين، إذ اعتبرت أن الجميع قادر على تسديد فواتير التعرفة الجديدة التي ستصبِح بملايين الليرات، ولم تراع بين الزيادة وبين قدرة المشتركين على تسديد الفواتير الخاصة، علماً بأن نسبة كبيرة من المواطنين عمدت إلى تخفيف قدرة الاشتراك في المولدات الخاصة. كما أنها لم تلحظ احتمال استمرار سرقة التيار الكهرباء والهدر غير الفني في ظل عدم وجود سلطة قادرة على ضبط التفلت، لا سيما في ظل ازدياد نسبة السرقات وسط واقع صعب تعيشه مخافر قوى الأمن التي تشكو من قلة عديدها. ومع أن الخطة تضمنّت تعديلات جديدة في ما يتعلق بالتعرفتين الصناعية والسياحية، لكنها لم تلحظ تعديل تعرفة الامتيازات (مثل:كهرباء زحلة) وكأنها اشتراكات توتر متوسط عادية!
40% من قيمة الأجور
تشير الخطّة إلى أن كلفة فاتورة الكهرباء المترتبة على الأسر المتدنية الدخل ستبلغ 440 ألف ليرة، أي ما يعادل 23% من الأجر الوسطي المصرّح عنه للضمان الاجتماعي، بالتالي فإن ما يقال عن أن هذه الكلفة ستنخفض بنسبة 16% على هذه الأسر هو وهم قبل تصحيح الأجور. فالفاتورة ستشّكل بعد الزيادة نحو 65% من الحدّ الأدنى الرسمي للأجور، علماً بأن أكثر من 60% من الأجراء المصرّح عنهم للضمان تقلّ أجورهم عن 1.1 مليون ليرة، أي أن فاتورة الكهرباء ستأكل 40% من أجورهم.
في خدمة مقدمي الخدمات
ضمن الخطة طلب وزير الطاقة تعاون مجموعة وزارات وإدارات (مثل مجلس النواب ومجلس الوزراء ووزارات المالية والدفاع والداخلية ومصرف لبنان)، اللافت أن المطلوب من هذه المؤسسات يصبّ في خدمة شركات مقدمي الخدمات لجهة توسيع صلاحياتها، فضلاً عن الطلب من الحكومة تجديد العقود وتأمين مبلغ 500 مليون دولار، علماً أن القرض المقدم من البنك الدولي هو 270 مليون دولار!
العراقي الأغلى
كلفة إنتاج الكهرباء باستخدام الفيول العراقي ستكون الأعلى (15.3 سنت/كيلو)، تليها كهرباء الأردن بكلفة (13.4 سنت/كيلو)، ثم الغاز المصري (7.6 سنت/كيلو)، والمعامل المائية (3.9 سنت/ كيلو) وهذا الإنتاج سيوفر ما بين 9 ساعات إلى 10 ساعات تغذية يومياً بمعدل تعرفة 11.2 سنت/كيلو.
تعرفة المياه بـ1.5 مليون ليرة
قرّر وزير الطاقة وليد فياض زيادة تعرفة المياه إلى أكثر من 1.5 مليون ليرة سنوياً. الذريعة أن التعرفة السابقة لم تكن تغطي نفقات مؤسّسات المياه، وأن القرار بالزيادة جاء بعد تنسيق وبتوجيهات من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. لكن المعلومات المتداولة تؤكد أن القوى السياسية ليست موافقة على الزيادة، لأن معظم مؤسّسات المياه تستفيد من هبة المازوت الإيراني منذ 3 أشهر، فضلاً عن دفع عشرات آلاف الدولارات من العمل الاجتماعي والعمل البلدي لتغطية نفقات صيانة هذه المؤسسات، ولا سيما مؤسستا مياه لبنان الجنوبي ومياه البقاع، كما تقدم اليونيسيف بعض المازوت لهذه المؤسسات فضلاً عن مساهمة في أعمال الصيانة. ورغم أن اقتراح مؤسّسة مياه بيروت وجبل لبنان كان برفع التعرفة 100% أي إلى نحو 600 ألف ليرة، إلا أن وزير الطاقة أصّر أن تكون أكثر من 4 أضعاف بحجّة أن كلفة صهريج واحد من المياه يفوق هذا الرقم.