الاثنين 17 كانون الثاني 2022 14:09 م |
"فستان أبيض" مقابل "حياة سوداء"! |
* جنوبيات من الطبيعي أن تحلم الفتيات بفستان أبيض وطرحة بيضاء في يوم زفافها مع شريك حياتها تمهيداً لبدء حياة جديدة مع من تحب ومن الطبيعي ان يكون هذا الزواج للراشدين وبإرادة الطرفين. ولكن من غير الطبيعي أن يتحول الزواج الى فرض ووسيلة لإنهاء مرحلة طفولية غير مكتملة بعد. ومن غير الطبيعي أيضاً أن تُسرق فتاة من مقاعد الدراسة لكي تزف الى عريسها وهي لم تصل الى عمر الرشد بعد. يسيطر الزواج المبكر على الكثير من المجتمعات منذ القدم وحتى يومنا هذا. وينتشر عموماً لدى الكثير من العائلات ولدى العائلات الفقيرة وغير المتعلمة بشكل خاص بهدف التخفيف من الأعباء الاقتصادية على كاهل الاهل, فيعمدون لتزويج بناتهم القاصرات بسبب العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولأن بعضهم يعتبر أن "همّ البنات للممات" يفضل أن يتخلص من هذا الهم فوراً عندما تصل الى سن البلوغ وتزويجها لأول من يدق الباب "لأنه وبالنهاية البنت آخرتها لبيت زوجها"...هذا إضافة الى الكثير من العائلات التي ما تزال تعمد لهذه الأساليب تحت حجة العادات والتقاليد... مريم، هي احدى الفتيات اللواتي فُرض عليهن الزواج وتم اقناعهن بأن الحياة الوردية تنتظرهن بمجرد توقيع عقد الزواج الذي سيؤمن الاستقرار والحب والأمان وسيحقق الأحلام الى واقع ملموس. وفي هذا السياق, تقول مريم لموقع "جنوبيات": كنت في مدرسة رسمية أنال علامات عالية وأطمح لأن أصبح جراحة ولكن عندما وصلت الى سن البلوغ, اتخذ أبي قرار تزويجي لشاب يكبرني بعشر سنوات وحينها أتت أمي لتخبرني بالقرار وما زلت أذكر كلماتها جيدا: "يا ابنتي أنتِ الان صرتِ صبية وهناك شاب طلب يدك من أبيك, فانظري كم أنت محظوظة لأنك ستعيشين مستورة كالملكات في بيت زوجك حيث ستكرمين وستحصلين على كل ما لم نستطع تأمينه لك. فهذا الشاب محترم وأحواله المادية جيدة ويستطيع تأمين كل ما تتمنيه فاستعدي لدخول فترة جديدة من حياتك". في تلك الأثناء، لم يخطر على بالي إلا مدرستي فسألتها: "وماذا عن مدرستي؟ ماذا عن حلم الجراحة؟ ماذا عن دروسي وعامي الدراسي؟ ماذا عن رفاقي؟" فأجابتني: "من الان وصاعداً لم يعد هناك ما يدعى بالمدرسة بل هناك مؤسسة الزواج والتي هي أكبر وأهم وعليك أن تركزي عليها وستكونين مثلي ربة منزل وستتحملين مسؤوليات لأنك تخطيت مرحلة الطفولة, أما بالنسبة لرفاقك فشاهدي بعينيك كيف سيغارون منك عندما يرونك بفستان أبيض وطرحة تزفين الى عريسك بينما هم لا يزالون بزي المدرسة إضافة الى أنك ستكونين مشغولة بمنزل وزوج وهن مشغولات بامتحانات ودروس متعبة". فتم الزواج, وبعد فترة حملت بطفلي الأول ولكن جسمي لم يتحمل فأجهضت وبعدها بفترة حملت للمرة الثانية وأجهضت أيضا فحذّر الطبيب من الحمل بهذا العمر وأن جسمي لا يستطيع تحمل الحمل في هذه الفترة فبدأت مسيرتي "التعنيفية" حيث انهال عليّ بالضرب في ذلك النهار وهو يقول أنه يريد أطفالا يحملون اسمه وكنيته. وبعد تخطي قصة الحمل, لم يتخط قصة التعنيف بل أصبحت أداة لتفريغ غضبه بحيث بات يهينني في كل الأحيان ويقول لي أن أهلي باعوني مقابل الأموال وأن عقلي صغير لا يستوعب وأنني طفولية التصرفات ولست سوى شكل يتباهى به أمام أقربائه كونني جميلة الوجه وصغيرة العمر. مرت أيامي والحال نفسها, تحولت طفولتي لكابوس أسود يسرق حياتي مني...الى أن دخلت المستشفى ذات يوم ولأنه سكب علي "طنجرة الطعام" لأنها لم تكون متشابهة المذاق مع التي تطبخها أمه. فعندها قررت أن أتطلق وأتخبط بالحياة بمفردي لأن أهلي رفضوا استقبالي... خمس سنوات مرت على الطلاق وأنا ما زلت أسيرة ماضي أسود سيطر عليّ وحرمني من حلمي وطفولتي وجردني من مشاعر الحب والأمان...فهو سلبني حقي بالتعلم والزواج مجدداً والإنجاب لأنني لا أستطيع أن أثق بأي رجل مجدداً...ولكن مشكلتي الأكبر أن عائلتي هي من وقعت على قرار الإعدام وهو نفّذه! قصة مريم لا تختلف عن الكثير من قصص الفتيات اللواتي فُرض عليهن ارتداء فستان أبيض حوّل أيامهن لكوابيس سوداء, لا تختلف عن قصص الفتيات اللواتي سلبوهن من مقاعد الدراسة وجردوهن من أحلامهن وطموحاتهن وأوهموهن بحياة خيالية وكأنها تعطيهن مفعولاً سحرياً...قصة مريم يجب أن يعرفها كل أب يتخذ قرار اعدام ابنته تحت مسمى الزواج المبكر والعادات والتقاليد البالية, يجب أن تدركها كل أم تشارك في عملية غسل دماغ ابنتها وتقديم أحلام وردية ستتحقق بمجرد التوقيع على عقد الزواج. وللفتيات نقول: "تعلموا وتسلحوا بالقوة والطموح ولا تفكروا بالزواج الا حينما تبلغن سن الرشد وتجدن شريكا قادرا أن يكون داعما لكنّ لا هادما لحياتكن!" المصدر :جنوبيات |