الخميس 20 كانون الثاني 2022 09:10 ص

فيروس البرامج الـ"توكشويّة"


* جنوبيات

من الملاحظ أن معظم البرامج الحوارية المبثوثة عبر القنوات العربية ولا سيما اللبنانية منها تفتقر لإدارة الحوار الاحترافي من المقدّمين والمقدّمات، حيث لا يمتلك الجزء الأكبر أدنى مقوّمات الثقافة الشخصية ببعض بديهيات العلوم الدنيويّة والدينية على حدّ سواء، ناهيك عن ندرة الاختصاص الإعلامي، ممّا يجعل البرامج ساحة مفتوحة لضيوف غير ملمّين بجوانب قضايا مجتمعية عديدة تمّ اختيارهم بناءً على جرأتهم بإبداء آرائهم العبثيّة اللاعلميّة في قضايا حسّاسة على المستوى الديني والدنيوي، فراح الأول يقول أنا برأيي أن الأمر هكذا، وقالت أخرى برأيي هذا ليس صحيحاً، بل ويتعدّى الأمر أحياناً التعدّي على مسلّمات الشريعة ومبادئها، وكل هذا تحت ستار الحرية، بقوالب معدّة مسبقاً تستهدف تحقيق الـ«تراندات» فقط لا غير، إما لإرضاء أصحاب المحطّات، أو لتنفيذ أجندات مبيّتة خبيثة تُعنى بضرب أسس الدّين وتخيير الناس بين الحريّة المطلقة والالتزام بضوابط الشريعة.

مما لا شكّ فيه أن لوسائل الإعلام هذه الدور الأساس في هذا الزمن نحو توجيه العقول والأفكار، بل وتوجيه الرأي العام بشكل عام، ونحن نرى بأمّ العين مخرجاتها يوماً بعد يوم تتجلّى في تسميم الفكر، وبثّ روح الفتنة بصب الماء على الزيت الساخن دون التفكير في العواقب الوخيمة الناتجة عن ذلك.

إنّ المتأمل والمتبحّر في عدد من هذه المقابلات يلاحظ عقليات تتصدر المشهد الإعلامي أقلّ ما يُقال عنها إنها بالفعل فارغة من كل مفيد.

تفكير محدود وسطحي وإجابات ساذجة مغلّفة بخبث وحقد على الإسلام والمتديّنين أحياناً تجعلنا فعلا نتساءل: كيف لمثل هؤلاء أن يستهلكوا وقتنا وتفكيرنا في متابعتهم..؟!

ثم كيف استطاع مثل هؤلاء اجتذاب ملايين المتابعين..؟!

هل وصل بنا الذوق العام إلى هذه الدرجة المتدنية ونحن الأمة التي تدّعي الرقيّ والحضارة..؟!

إنّ أغلب هذه البرامج قامت على مبادئ العبث الفكري وتزوير عقول المشاهدين ولا سيما جيل الشباب من خلال اللعب على وتر الشهوات والغرائز الجنسية والقوميات والإتنيات العشائرية والتناقضات الأسرية والفروقات الطبقية بين أبناء المجتمع والحي الواحد.

غياب الرقابة


ثمّ أجد نفسي أطرح أسئلة كثيرة في هذا السياق...

أين هي المرجعيّات الرسميّة في رصد تحرّكات هذه البرامج وما تبثه من مواضيع خطرة بكل ما للكلمة من معنى على عقائد الناس وإيمانهم..؟!

ولماذا لا تُخصّص هذه المرجعيّات مراصد إعلاميّة متخصّصة وظيفتها مراقبة الإعلام عموماً والبرامج الحواريّة خصوصاً والتي باتت تهدّد الأمن القومي برمّته وليس فقط الأمن الأسري..؟!

أين هم الغيارى على منظومة الأخلاق والمبادئ في بلادنا التي نتغنّى أنها بلاد الحرف والحضارة والرقيّ..؟!

أين المفكّرون والباحثون والأدباء والمعنيّون بالتربية والتعليم من المهزلة الإعلامية الحاصلة في البرامج ولا سيما الـ«توك شو» منها..؟!

ثمّ والأهمّ من كل هؤلاء أين هم العلماء والدعاة مما يحصل، ولماذا لا يقومون بدورهم في التوجيه والإرشاد والتنبيه من مخاطر هذه البرامج..؟!

وأخيراً كيف لمجتمع أن يرتقي لتطلّعات معرفية وعلمية، وقبلهما وطنية نقف لها احتراماً وإجلالاً ورفعة، وهو ينزلق نحو مؤامرة التسميم الفكري وضخ المواد الإعلامية التي تعكس مؤشراً لمسار عكسي مؤدٍّ إلى مزيد من انتشار التفاهات والسخافات والثقافة النابية عن طريق الإعلام الهابط.

المصدر :اللواء