يُدرك رئيس دولة فلسطين محمود عباس أنّ تحصين البيت الداخلي الفلسطيني، وتعزيز وتفعيل مُؤسّسات "مُنظّمة التحرير الفلسطينية"، أساسيٌ لمُخاطبة العالم وحثّه على تنفيذ الرؤية التي طرحها لتحقيق السلام بما يتعلّق بالقضية الفلسطينية، في ضوء خطابه أمام الجمعية العمومية للأُمم المُتحدة في 24 أيلول/سبتمبر 2021، الذي ضمّنه "خارطة طريق" بمُهلٍ زمنية.
وأنّ حكومة الاحتلال الإسرائيلي برئاسة نفتالي بينيت لا تُؤمن بالسلام، بل تعمل كما سابقاتها، التي ترأسها بنيامين نتنياهو، من أجل دولة يهودية، وتعزيز الاستيطان، مع ارتفاع وتيرة الاعتداءات ضد المُواطنين والأسرى والمُقدسات الإسلامية والمسيحية.
وأنّ الرئيس الأميركي جو بايدن، ومع مُرور عام على تسلّمه مقاليد الحكم، وعلى الرغم من تطوّر العلاقات الثنائية، لكن لم يُنفّذ كل ما وعد به في خطابه، الذي سبق الانتخابات الرئاسية، خاصة لجهة إعادة افتتاح القنصلية الأميركية الخاصة بالفلسطينيين في القدس الشرقية، ومكتب مُمثلية "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن، اللتين أغلقهما الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بعد الرفض الفلسطيني لـ"صفقة القرن" ومُندرجاتها، ما أدّى إلى إجهاضها.
مع المُحاولات لتفعيل الحوار الوطني الفلسطيني، تحقيقاً للمُصالحة الداخلية، تتّجه الأنظار إلى دور المجلس المركزي الفلسطيني، بوصفه أعلى سلطة تشريعية فلسطينية، ومُخوّل له صلاحيات المجلس الوطني التي منحه إياها بدورته الأخيرة في العام 2018، لينتخب رئاسة جديدة للمجلس الوطني الفلسطيني، بعد تقدّم الرئيس الحالي سليم الزعنون (89 عاماً) باستقالته.
شكّلت خطوة دعوة المجلس المركزي الفلسطيني للانعقاد بداية شهر شباط/فبراير المُقبل، دفعاً قوياً لإعادة ترتيب اللجنة التنفيذية لـ"مُنظّمة التحرير الفلسطينية"، حيث أكدت مصادر فلسطينية مُطلعة لـ"اللـواء" أنّ المجلس المركزي سيتخذ قرارات مصيرية ومُهمة، وسيتمحور جدول أعماله حول:
- الوضع السياسي، في ضوء تطوّر العلاقة مع الجانب الأميركي وانسداد أفق المُفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي.
- تفعيل مُؤسّسات "مُنظّمة التحرير الفلسطينية".
- القضايا الفلسطينية الداخلية، وفي طليعتها ما يتعلّق بالمُصالحة الداخلية.
وقد جرى تشكيل لجنة لصياغة مُندرجات اجتماع المجلس المركزي، مُؤلّفة من 9 أعضاء: 5 من اللجنة التنفيذية للمُنظّمة و4 من اللحنة المركزية لحركة "فتح"، وتكليف عزام الأحمد بمهام المُقرر لها.
وكشفت المصادر عن أنّه ستتم إعادة ترتيب اللجنة التنفيذية لـ"مُنظّمة التحرير الفلسطينية" (بين 15-18 عضواً)، في ضوء شُغور مركزين، بوفاة الدكتور صائب عريقات (11 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، عن 65 عاماً) واستقالة الدكتورة حنان عشراوي (9 كانون الأول/ديسمبر 2020)، فضلاً عن بقاء 3 مراكز شاغرة، عندما جرى انتخاب اللجنة التنفيذية للمُنظّمة في اجتماع المجلس الوطني، الذي عقد تحت عنوان "دورة القدس وحماية الشرعية الفلسطينية" في رام الله بين 30 نيسان/إبريل و3 أيار/مايو 2018.
تتألّف اللجنة التنفيذية الحالية للمُنظّمة، من 13 عضواً، هم: محمود عباس وعزام الأحمد (فتح)، تيسير خالد (الجبهة الديمُقراطية لتحرير فلسطين)، أحمد مجدلاني (جبهة النضال)، واصل أبو يوسف (جبهة التحرير الفلسطينية)، فيصل كامل عرنكي (جبهة التحرير العربية)، بسام الصالحي (حزب الشعب) وصالح رأفت (فدا)، وهناك 5 أعضاء مُستقلون، هم: زياد أبو عمرو، علي أبو زهري، عدنان الحسيني، أحمد بيوض التميمي وأحمد أبو هولي.
وقد جدّدت اللجنة المركزية لحركة "فتح" بالإجماع ثقتها بالرئيس عباس، رئيساً لحركة "فتح" وللجنة التنفيذية لـ"مُنظّمة التحرير الفلسطينية" ورئيساً لدولة فلسطين.
جاء ذلك خلال الاجتماع الذي عقدته اللجنة المركزية لحركة "فتح" بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، برئاسة الرئيس عباس، حيث ناقشت عدداً من القضايا الداخلية.
كما جدّدت اللجنة المركزية، وبالإجماع ثقتها بالأحمد، مُمثّلاً للحركة في اللجنة التنفيذية للمُنظّمة، وانتخبت بالإجماع أيضاً عضو اللجنة المركزية حسين الشيخ مُرشّحاً للحركة في اللجنة التنفيذية.
كذلك انتخبت روحي فتوح، وبالإجماع، مُرشّحاً للحركة برئاسة المجلس الوطني الفلسطيني.
إذا كانت حركة "فتح" قد حسمت أسماء مُرشّحيها للجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني، فمن المُتوقّع أنْ تُسمّي الفصائل الأخرى، المُشاركة في اللجنة التنفيذية مُرشّحيها إليها، حيث سُيعاد ترشيح غالبيتهم.
بينما أسماء المُستقلين، يتوقّع أنْ يدخل إليها دم جديد مع مُراعاة التمثيل المسيحي والمرأة.
وحسمت المصادر أنّه سيتم في اجتماع المركزي، تعيين رئيس للصندوق القومي الفلسطيني، الذي يكون بشكل طبيعي عضواً في اللجنة التنفيذية.
أما بشأن رئاسة المجلس الوطني، وبعد تقديم الزعنون استقالته من الرئاسة التي تولاها بالوكالة مُنذ العام 1993، بدلاً من رئيس المجلس السابق عبد الحميد السايح، ثم بالأصالة منذ العام 1996، فإنّه سيتم انتخاب فتوح (73 عاماً)، وهو كان قد تولّى مهام أمين سر المجلس التشريعي بين العامين 1996-2003، ومن ثم رئيساً له في آذار/مارس 2004.
وتولّى فتوح رئاسة السلطة الفلسطينية خلفاً للرئيس ياسر عرفات بعد وفاته في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، وفقاً للقانون ولمُدّة 60 يوماً، حيث انتخب الرئيس عباس في 15 كانون الثاني/يناير 2005.
وحالياً يشغل منصب رئيس دائرة المُغتربين في "مُنظّمة التحرير الفلسطينية"، علماً بأنّه من المُتعارف عليه أنْ يتولاها عضو في اللجنة التنفيذية للمُنظّمة، على الرغم من أنّه ليس عضواً فيها.
وأعلن الزعنون دعمه "ترشيح فتوح لرئاسة المجلس الوطني"، مُؤكداً أنّ "المجلس الوطني سيُباشر باتخاذ الإجراءات التنظيمية والترتيبات اللازمة، وتحديد موعد جديد لعقد دورة المجلس المركزي بالتنسيق مع اللجنة التنفيذية للمُنظمة".
في ضوء استقالة الزعنون من موقعه كرئيس للمجلس الوطني، والتي تُصبح نافذة فور انتخاب رئيس جديد للمجلس، فإنّه سيتم أيضاً إعادة انتخاب هيئة مكتب المجلس - أي منصبي نائبي الرئيس الذي يتولاه حالياً الأب قسطنطين قرمش، الذي أعلن نيته عدم مُواصلة مهامه والراحل تيسير قبعة (مُمثّل "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، الذي توفي في 21 تموز/يوليو 2016 عن 78 عاماً)، وأمين السر الذي يشغله حالياً محمد صبيح.
لا يُتوقع أنْ تُشارك "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في أعمال المجلس المركزي، استمراراً لمُقاطعتها له وللمجلس الوطني، وأن تُشارك "الجبهة الديمُقراطية لتحرير فلسطين"، وأن يُصار إلى انتخاب مُمثّل عنها لمنصب نائب الرئيس.
من جهته، أكد الأحمد أنّه "من حق أي فصيل أو عضو في المجلس الوطني أنْ يُرشّح نفسه لأي موقع في مُؤسّسات "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" القيادية وفق أنظمتها وقوانينها".