يُحكى في العصر العبّاسيّ أنّه كان هناك شخص يُدعى أدهم بن عسقلة، وهو معروف أنّه من كبار لصوص عصره. فقد عُرف بخفّته في السرقة وبطرق مختلفة شكّلت مسارًا لمن اتّبعه من اللصوص المارقين والخارجين على القانون.
وعندما أصيب أدهم بن عسقلة بمرض الموت، وأحسّ بدنوّ الأجل كتب وصيّة لأتباعه المخلصين من اللصوص اعتُبرت غاية في الأهمّيّة، إذ أسّست لمنهاج محكم وخارطة طريق لكلّ من تسوّل له نفسه سلوك درب السرقات على كلّ الصعد والمستويات، والنشل بكلّ الأشكال والمحتويات، والسلب على مختلف الأنواع في مسلك الحياة.
وقد جاء في وصيّته التالي: "أيّها الأحبّة، لا تسرقوا امرأة ولا فقيرًا ولا جارًا. وإذا سرقتم بيت أحدهم فاسرقوا نصفه واتركوا له النصف الآخر ليعتاش عليه مع أهله، ولا تكونوا أنذالًا أو ظلمة أو قتلة، اللهمّ إنّي قد بلّغت اللهمّ فاشهد".
ماذا نقول لأدمعٍ سكبتها اللصوص شوقًا إليك؟ ولكن، وللأسف الشديد، ظهر من بعدك أناس خانوا العهد ونقضوا الميثاق، فسرقوا الأخضر واليابس، سرقوا الرجال والنساء، سرقوا العجّز والمرضى، سرقوا الصغار والأطفال، سرقوا الأجنّة في بطون أمّهاتهم، سرقوا الكحل من العيون، سرقوا الماء والكهرباء والخجل والحياء، سرقوا كلّ شيء ولم يبقوا لأحد شيئًا.
سرقوا لقمة العيش، سرقوا الأمل والأماني، سرقوا الأحلام والأغاني. سرقوا الدواء والهناء وراحة البال. سرقوا الأمن والأمان والاستقرار والاطمئنان.
إنّهم زمرة من المسؤولين في لبناننا الحزين، خذلوك في قبرك، ولم يتّبعوا تعليماتك. فقد أسّسوا لنهج جديد ليس له مثيل في الكون.
"لروحك السكينة يا ابن عسقلة، فمن بعدك أصبح لصوص اليوم، وبصورة خاصّة في بلد الحرمان والطغيان، يتباهون بخيانتهم للأمانة التي أوصيتهم بأن يؤدّوها، فنقضوا العهد وخلفوا الوعد ولم ينفّذوا الوصيّة الواجبة".
لهذا كلّه: اللهمّ عسقل لصوصنا، واعقل من نهبنا، علّهم يعودوا إلى ضمير أدهم بن عسقلة في زمن لم يبق فيه للحقّ قيد أنملة!